قشيب [1] ، والحمد للَّه رب العالمين ، وصل كتاب مولاي مبشّرا من خبر عوده إلى مقرّ عزّه وشرفه ، محروسا في حفظ اللَّه وكنفه ، بما لم تزل الآمال تتنسّم روائحه ، وتترقّب غادى صنع اللَّه فيه ورائحه ، واثقة بأنّ عادة اللَّه الكريمة عنده تسايره وترافقه ، وتلزم جنابه فلا تفارقه ، حتى تخرجه من غمرة الغماء خروج السيف من الغمد ، والبدر بعد السّرار [2] إلى الانجلاء ، فعددت يوم وروده عيدا ، أعاد عهد السّرور جديدا ، وردّ طرف الحسود كليلا وقد كان حديدا ، ولم أشبّهه في إهداء الرّوح والشفاء ، وتلافى الرّوح بعد أن أشفى على المكروه كل الإشفاء [3] إلَّا بقميص يوسف حين تلقّاه يعقوب عليه السلام من البشير ، وألقاه على وجهه فنظر بعين البصير ، فكم أوسعته لثما واستلاما ، والتقطت منه بردا وسلاما ، حتى لم تبق غلَّة في الصدر إلا برّدتها ، ولا غمّة في النفس إلا طردتها ، ولا شريعة من الأنس إلا وردتها . وله فصل من رسالة : وكان فرط التعجب مرّة وعظم الإعجاب تارة يقف بي عند أول فصل من فصوله ، ويثبّطنى عن استيفاء غرره وحجوله ، ويوهمنى أنّ المحاسن ما حوته قلائده ، ونظمته فرائده ؛ فليس في قوس إحسان وراءها منزع [4] ، ولا لاقتراح جنان فوقها متطلَّع ، حتى إذا جاوزته إلى لففه وتزيينه ، وأجلت فكرى في نكته وعيونه ، رأيت ما يحيّر الطَّرف ، ويعجز الوصف ، ويعلو على الأول محلَّا ومكانا ، ويفوقه حسنا وإحسانا ، فرتعت كيف شئت في رياضه وحدائقه ، واقتبست نور الحكم من مطالعه ومشارقه ، وسلَّمت لمعانيه وألفاظه فضيلة السّبق
[1] قشيب : جديد [2] السرار - بكسر السين - آخر ليلة من الشهر ، ولا يظهر فيها القمر ( م ) [3] أشفى على المكروه : أشرف عليه [4] منزع - على وزن منبر - السير الذي ينتزع به ، ويقولون : لم يبق في قوس الصبر منزع ، يريدون أن الصبر نفدت أسبابه .