فقال له يحيى [ بن خالد ] : إن [ أول ] زندك ليورى بأوّل قدحة ، فقال ارتجالا في معنى قول يحيى : < شعر > أما وزند أبى علىّ إنه زند إذا استوريت سهل قدحكا إنّ الإله لعلمه بعباده قد صاغ جدّك للسماح ومنحكا تأبى الصنائع همّتى وقريحتى من أهلها وتعاف إلَّا مدحكا < / شعر > ووصف أبو عبد اللَّه الجماز أبا نواس فقال : كان أظرف النّاس منطقا ، وأغزرهم أدبا ، وأقدرهم على الكلام ، وأسرعهم جوابا ، وأكثرهم حياء ، وكان أبيض اللَّون ، جميل الوجه ، مليح النغمة والإشارة ، ملتفّ الأعضاء ، بين الطويل والقصير ، مسنون الوجه [1] ، قائم الأنف ، حسن العينين والمضحك [2] ، حلو الصّورة ، لطيف الكفّ والأطراف ؛ وكان فصيح اللسان ، جيّد البيان ، عذب الألفاظ ، حلو الشمائل ، كثير النوادر ، وأعلم الناس كيف تكلمت العرب ، راوية للأشعار ، علَّامة بالأخبار ، كأن كلامه شعر موزون . وأقبل أبو شراعة العبسي ، والجمّاز في حديثه ، وكان أقبح الناس وجها ، وكانت يد أبى شراعة كأنها كربة نخل [3] ؛ فقال الجماز : فلو كانت أطرافه على أبى شراعة لتمّ حسنه ؛ فغضب أبو شراعه وانصرف يشتمه . والجماز هو : أبو عبد اللَّه محمد بن عمرو بن حماد بن عطاء بن ياسر ، وكانوا يزعمون أنّهم من حمير ، نالهم سباء في خلافة أبى بكر ، رضي اللَّه عنه ، وهم مواليه ، وسلم الخاسر عمه [4] ، وكان الجماز من أحلى الناس حكاية ، وأكثرهم نادرة . قال بعض جلساء المتوكَّل : كنا نكثر عند المتوكل ذكر الجماز حتى
[1] مسنون : مخروط [2] المضحك : الفم ( م ) [3] الكربة - بالتحريك - أصل السعفة ( م ) [4] سلم الخاسر هو : سلم بن عمرو بن حماد المتوفى سنة 186 ، كان شاعرا ماجنا خليعا . وسمى الخاسر لأنه باع مصحفا واشترى بثمنه طنبورا .