أو ينأى عنهما رفدك [1] ؛ ولتعطفك عليهما شوابك النسب ، وأواصر الرّحم [2] فالتفت إلى الربيع ، فقال : أردد عليهما ضياع أبيهما ، ثم قال : كذا واللَّه أحبّ أن تكون نساء بني هاشم . وكان أهل المدينة لما ظهر محمد أجمعوا على حرب المنصور ، ونصر محمد ؛ فلما ظفر المنصور أحضر جعفر بن محمد بن علي بن الحسين الصادق ، فقال له : قد رأيت إطباق أهل المدينة على حربي ، وقد رأيت أن أبعث إليهم من يغوّر عيونهم [3] ، ويجمّر نخلهم [4] . فقال له جعفر : يا أمير المؤمنين ؛ إنّ سليمان أعطى فشكر ، وإنّ أيوب ابتلى فصبر ، وإنّ يوسف قدر فغفر ؛ فاقتد بأيّهم شئت ، وقد جعلك اللَّه من نسل الذين يعفون ويصفحون ، فقال أبو جعفر : إنّ أحدا لا يعلَّمنا الحلم ، ولا يعرّفنا العلم ، وإنما قلت هممت ، ولم ترني فعلت ؛ وإنك لتعلم أن قدرتى عليهم تمنعني من الإساءة إليهم . وعزّى جعفر بن محمد رجلا ، فقال : أعظم بنعمة في مصيبة جلبت أجرا وأفظع بمصيبة في نعمة أكسبت كفرا هذا كقول الطائي : < شعر > قد ينعم اللَّه بالبلوى وإن عظمت ويبتلى اللَّه بعض القوم بالنّعم < / شعر > وكان جعفر بن محمد يقول : إنّى لأملق أحيانا فأتاجر اللَّه بالصدقة فيربحنى . وقال جعفر رضي اللَّه عنه : من تخلَّق بالخلق الجميل وله خلق سوء أصيل فتخلَّقه لا محالة زائل ، وهو إلى خلقه الأوّل آيل ، كطلى الذهب على النحاس ينسحق وتظهر صفرته للناس . وهذا كقول العرجى : < شعر > يا أيها المتحلَّى غير شيمته ومن خلائقه الإقصار والملق [5] < / شعر >
[1] الرفد : العطاء [2] الشوابك والأواصر : هي الروابط [3] يغور عيونهم : يطمسها ويذهب ماءها بالعين المهملة أو بالغين المعجمة ( م ) ، وفي الأصل « ينور » وهو تحريف . [4] جمر النخلة تجميرا قطع جمارها . [5] المراد من الإقصار القصور والضعف ، والملق : إظهار الود ذلة وخضوعا .