وقد كان لهذه السير والتراجم والطبقات قيمتها للعلم والأدب والتاريخ ؛ إذ يسرت للباحث والعالم والمؤرّخ الوصول إلى كثير من الحقائق التي يقوم عليها بحثه ، وبيّنت للعالم مدى إقبال المسلمين وكتّاب العربية في مختلف العصور على البحث والتدوين ، وما عانوا فيه من مشقة وجهد علميّ مشكور ؛ كما بينت للخلف مقدار ما تركه له أسلافه من ثروة ثقافية ضخمة يفخر بها كما يفخر كل محب للعلم والبحث .
ومما يؤسف له كل الأسف أن الشطر الأعظم من هذه الثروة العلمية الضخمة قد ضاع في تلك النكبات التي حلت بالعالم الإسلامي من غزوات متكررة وحروب وثورات ومجاعات وحرائق وسرقات وجهل الحكام وطمع الطامعين .
وإني لأرجو من اللَّه أن تتاح لنا أو لغيرنا الفرصة لجمع كل أسماء الكتب العربية الموجودة والضائعة التي أشار إليها المؤلفون فيما وصل إلينا من كتبهم ، وتنسيقها في ثبت شامل يكون مرجعا للباحثين وهاديا لهم ؛ فلعل التوفيق يوافي طائفة منهم بالعثور على بعضها والاستفادة منها .
ومما يذكر أن القدامى في الزمن السالف قد درجوا على محو ما لديهم من بعض الكتب ليستغلوا رقوقها في كتابة تأليف جديد من عندهم ، أو تدوين مذكرات خاصة بهم ، وقد تكررت هذه العملية مرات ؛ لأن قراطيس البردى والرقوق كانت غالية الثمن على الكثيرين .
وإذ قد توصل العلم الحديث إلى استعادة هذه الكتابة الممحوّة مما تركته وراءها من آثار في البرديّ أو في الرقوق ، فقد استطاع العلماء الأوربيون الحصول على نسخ من مؤلفات قيمة ظنوا أنها ضاعت ، ولا سبيل إلى العثور عليها . ففي المتحف البريطاني مثلا مخطوطات سريانية أخذت من أديار وادي النطرون ؛ منها مخطوط ألفه ساويرس الأنطاكي في القرن التاسع الميلادي كان مكتوبا عليه إلياذة

6