فقال : أي بنيّة كوني له أمة يكن لك عبدا ، وليكن أطيب طيبك الماء ، واعلمي أن زوجك فارس من فرسان مضر ، وأنه يوشك أن يقتل أو يموت ، فإذا كان ذلك فلا تخمشي وجهك ، ولا تحلقي شعرك . فحملها إلى أهله . فلما أصيب احتملت إلى أهلها ، وقالت : يا بني عبد اللَّه أوصيكم بالغرائب شرا ، فواللَّه ما رأيت مثل لقيط ، لم يخمش عليه وجه ، ولم يحلق عليه رأس ، ولو لا أني غريبة لفعلت فخمشت وحلقت . وتزوجها رجل من قومها ، فجعل يسمعها تذكر لقطيا وتكثر ، فقال لها : أيّ شيء رأيته من لقيط أحسن في عينك ؟ قالت : خرج في يوم دجن ، وقد تطيّب ، وشرب ، وصرع البقر ، فأتاني وبه نضح الدماء والطيب ، فضممته ضمّة ، وشممته شمّة ، فوددت أني كنت متّ ثمّة ، فما رأيت منظرا كان أحسن من لقيط يومئذ . فسكت ، حتى إذا كان يوم دجن تطيب ، وشرب ، وركب ، وصرع البقر ، وجاءها وبه نضح الدماء والطيب وريح الخمر ، فضمته إليها ، فقال لها : أنا أحسن أم لقيط ؟ فقالت : ماء ولا كصدّاء . فأرسلتها مثلا . قال : وصداء : بئر ليس في الأرض ماء أطيب من مائها ، وهي مشهورة وقد ذكرتها الشعراء في أشعارها ، قال ضرار بن عتبة السعدي [1] : < شعر > فإنّي وتهيامي بزينب كالذي * يخالس من أحواض صدّاء مشربا يرى دون برد الماء هولا وذادة * إذا جاء صاحوا قبل أن يتحبّبا < / شعر > قوله : قبل أن يتحببا ، معناه : قبل أن يمتلئ ، كما قال الآخر : حتى إذا ما غيرها تحبّبا [2] قال أبو بكر : الماء يرتفع بإضمار هذا ، ويجوز : ماء ولا كصداء ، على معنى : أرى ماء . قال جميل [3] : < شعر > فبعثت جاريتي فقلت لها اذهبي * قولي محبّك هائما مخبولا < / شعر > أراد : هذا محبك . وقال الآخر :
[1] أمثال العرب 21 . [2] لم أقف عليه . [3] أخل به شعره .