وأما الإنس فسمّوا إنسا ؛ لإيناسهم ، وسمي الجن جنا ؛ لاستتارهم . وكذلك سمت العرب الملائكة جنا وجنّة لتواريهم عن أعين الناس ، قال اللَّه عز وجل : * ( وجَعَلُوا بَيْنَه وبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً ) * [1] ، معناه : وبين الملائكة . وقال تعالى : * ( إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ ) * [2] ، أراد : من قبيل من الملائكة يقال لهم الجن . وقال الأعشى [3] في صفة سليمان بن داوود عليهما السلام - : < شعر > وسخّر من جن الملائك تسعة * قياما لديه يعملون بلا أجر < / شعر > أراد بالجن : الملائكة وأضافهم إليه لاختلاف اللفظتين . واشتقاق الجن من قول العرب : قد جنّ عليه الليل وأجنّه ، وربما قالوا : جنّه ، فأسقطوا الألف وعدوا الفعل . قال الشاعر [4] : < شعر > يوصّل حبليه إذا الليل جنّه * ليرقى إلى جاراته بالسلالم < / شعر > وربما أوقعت العرب الجن على الإنس والإنس على الجن ، إذا فهم المعنى ولم يدخله التباس ، قال اللَّه عز وجل : * ( الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ والنَّاسِ ) * [5] ، أراد : في صدور جنهم وناسهم . وقال أيضا : * ( وأَنَّه كانَ رِجالٌ مِنَ الإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ ) * [6] . وقال الفراء : قال بعض العرب في كلامه : فجاء قوم من الجن فوقفوا فقيل لهم : من أنتم ؟ فقالوا : أناس من الجنّ . وقولهم : لا تقل له إلا كذا وكذا قط قال أبو بكر : قط معناها في كلام العرب : حسب ، وطاؤها ساكنة ؛ لأنها بمنزلة هل وبل وأجل . وكذلك قد ، يقال : قد عبد اللَّه درهم وقط عبد اللَّه درهم ، يراد بهما : حسب عبد اللَّه درهم ، أي : يكفي عبد اللَّه درهم ، قال الشاعر :
[1] سورة الصافات : آية 158 . [2] سورة الكهف : آية 50 . [3] ديوانه 243 . [4] جرر ، ديوانه 1001 وفيه : جن ليله . [5] سورة الناس : الآيتان 5 ، 6 . [6] سورة الجن : آية 6 .