هيئة من ليس بفاعل والقائل منا له هيئته السّاكت ، قيل له : لم تخالف هيئته هيئة السّاكت بالقول وإنما خالفت هيئاتهما بالسكون الذي في شفتي السّاكت وبالحركات التي في لسان المتحرك ، لا بالكلام ، فإذا كان اللَّه يفعل الكلام والأمر والنهي من غير أن تحل فيه حركة صحّ أنه لا تكون تسميتنا إياه آمرا وناهيا أو متكلما تشبيها . و على هذا قولنا : العالم والحي والقادر والسميع والبصير لأن شيئا من ذلك لا يوجب تجنيسا ولا تركيبا ولا هيئة ، فإن قال : أليس العالم في الشاهد يحل العلم فيه أو في بعضه ، وكذلك الحي فلم زعمتم أن الحيزين لا يشتبهان لحلول الحياة فيهما ؟ قلت : إن الحياة ليست بهيئة لهما فيشتبهان بها عند حلولها فيهما ، ولو كانا مشتبهين بسائر هيئاتهما ، فإن قال : فيلزمكم أن لا يكون من وصف اللَّه تعالى بأنه يحله العلم والحياة مشتبها بخلقه ، قيل : ليس هو بهذا القول مشبها ، ولكن بتجويزه حلول الأعراض فيه يكون مشبها لأن ذلك يرجع إلى الهيئة . و اعلم أنّ الصفة قد تجري على الموصوف من وجهين في أحدهما : يجب له عن اختصاص واستبداد فيكون للذّات ويقترن بما لم يزل وفي الثاني : يقصر غايته فنقف دون موقف الأول ، وذلك كقولنا : بصير ومبصر لأنهما للذات ، إلَّا أنّ مبصرا يتعدى إلى مبصر موجود ، ولذلك لم يجز أن يقال لم يزل مبصرا ، كما قيل : لم يزل بصيرا وعلى هذا قولك رأى يتصرف على وجهين . فإن أريد أنه عالم قلت لم يزل اللَّه رائيا وإن أريد أنه مبصر للمبصرات امتنع منه ؛ لأنّ المرئي المدرك لا يكون إلا موجودا ، وعلى هذا قولك الصّمد إن جعلته بمعنى السّيد قلت لم يزل اللَّه صمدا ، وإن قلت هو من الصّمد إليه من العباد والقصد امتنع أن يقال لم يزل صمدا . و مثله كريم يراد به العز فيقال : لم يزل كريما وهو أكرم عليّ ، ويراد به الإفضال فيكون من صفات الفعل ، ومثله حكيم يكون بمعنى عالم فيقال لم يزل حكيما وإن أريد به أنه يحكم الفعل لحق بصفات الفعل ، والصفات المستحقة من طريق اللغة الحقيقية والمجازية فإنها تجري عليه تعالى متى لم يمنع مانع من جهة العقول والشّرع ، فإن التبس الحال يختار الأكرم فالأكرم والأبعد من التشبيه فالأبعد ، وذلك لمجانبتنا لأنّ نصفه بأنه يعقل أو يحس أو يفقه ويستبصر ويتيقن أو يفطن أو يفهم أو يشعر لما تتضمنه هذه الألفاظ من الأحوال التي حصولها لا يليق باللَّه تعالى . فإن قيل : هو شاهد وشاهد كل نجوى وقريب مجيب ومطَّلع على الضّمائر قلت : أجرينا عليه هذه الألفاظ مجازا وتوسعا ولأنها بكثرة دورانها في ألسنة السّلف الصالح ، والإشارة بها إلى ما لا يخيل ولا يلتبس من القصود السّليمة انتفى عنها ما يلابس غيرها من