و معناه نفي ، والمراد لا منشئ إلا اللَّه . ثم قال تعالى في موضع آخر : * ( فَتَبارَكَ الله أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ) * [ سورة المؤمنون ، الآية : 14 ] فقلنا الخلق في كلامهم يكون الإنشاء ويكون التّقدير يقال : خلقت الأديم إذا قدّرته قال : ولأنت تعزي ما خلقت وبعض القوم يخلق ثم لا يعزى ، والآية النّافية تقضي على المثبتة بأنّ الخلق يكون فيه التّقدير لا غير لأنّ الذي يخلص للَّه تعالى من معنى الخلق فلا يشارك فيه هو الإنشاء ومثله قوله تعالى : * ( وأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ ) * [ سورة محمد ، الآية : 11 ] مع قوله تعالى : * ( ثُمَّ رُدُّوا إِلَى الله مَوْلاهُمُ الْحَقِّ ) * [ سورة يونس ، الآية : 30 ] لأنّ المولى في اللغة يقع على السيّد والعبد والمعتق والولي والنّاصر وابن العم ، فمعنى لا مولى لهم : لا ناصر ، ولا ولي ومعنى مولاهم الحق الإله والسّيد الذي لا شك فيه يوم يكون الحكم والأمر له وهذا بيّن . ( و منها ) : التّنافي بين المعنيين في ظاهر آيتين وإن لم يكن عن اتفاق لفظين مثل قوله تعالى : * ( يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ ) * [ سورة الزلزلة ، الآية : 6 ] مع قوله تعالى : * ( ونُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً ) * [ سورة الكهف ، الآية : 99 ] وهاتان حالتان إحداهما حالة الورود وهي عند البعث والنّشور ، والأخرى حالة الصّدور والانسياق إلى المعد من الثّواب والعقاب ، وهذا معنى ليروا أعمالهم فالمحكمة التي يرد إليها يصدر الناس أشتاتا قوله تعالى : * ( ويَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ ) * [ سورة الروم ، الآية : 14 ] * ( فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ وأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وكَذَّبُوا بِآياتِنا ولِقاءِ الآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ ) * [ سورة الروم ، الآية : 15 - 16 ] وهذا واضح ومثله قوله تعالى : * ( ويَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ ) * [ سورة النمل ، الآية : 83 ] أي يدفعون ويستعجلون مع قوله تعالى : * ( وكُلُّهُمْ آتِيه يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً ) * [ سورة مريم ، الآية : 95 ] ومعنى فردا لا عدد معه ولا عضد ولا عدّة ولا ذخيرة والمحكمة التي ترد إليه هذه قوله تعالى : * ( ونَرِثُه ما يَقُولُ ويَأْتِينا فَرْداً ) * [ سورة مريم ، الآية : 80 ] وإذا كان كذلك انتفى التّشابه . و منها استغلاق الآية في نفسها وبعدها باشتباهها عن وضوح المراد منها ومن جعل وجه التّشابه هذا وما يجري مجراه استدل بقوله تعالى : * ( وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَه إِلَّا الله ) * [ سورة آل عمران ، الآية : 7 ] وجعل وجه الأحكام ظهور المعنى وتساوي السّامعين في إدراك فهمه ولذلك مثل كثير من أهل العلم المحكمات بالآي الثّلاث التي في آخر الأنعام وهي قوله تعالى : * ( قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ) * [ سورة الأنعام ، الآية : 151 ] إلى * ( ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِه لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) * [ سورة الأنعام ، الآية : 153 ] ، والمتشابهات بقوله تعالى : * ( الم ) * * ، و * ( الر ) * * ، و * ( كهيعص ) * ، و * ( طه ) * وما أشبهها . ومنها ألا يعلم السّبب الذي نزلت الآية فيه على كنهه وحقه لاختلاف قديم يحصل فيه بين الرّواة ، وادّعاء بعضهم النّسخ فيه ولغرابة القصّة وقلَّة البلوى بمثلها والصّواب عندي في مثل هذا أن يؤثر ما يكون لفظة الكتاب أشهد له وأدعى إليه ،