* ( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِله ) * الظَّرف فيه متعلق بما في الإله من معنى الفعل وفي تقديره وإعرابه عدة وجوه : منها أن يقال : إنّ العائد إلى الذي محذوف كأنّه قال : وهو الذي هو في السّماء إله وفي الأرض إله ، وساغ حذف العائد بطول ، وهي قوله في السّماء إله وفي الأرض إله ، وهذا كما حكى عنهم ما أنا بالذي قائل لك شيئا ، وقد قال الخليل : إني أستحسنه إذا طال الكلام فهذا وجه ، ويجوز أن يقال : إنه مرتفع بالابتداء وخبره في السّماء وفي الأرض والعائد إلى الذي هو الذي يعود إلى إله لأنّ الذي هو في المعنى والحمل على المعنى مذهب أبي عثمان ، وقال مع ذلك لولا كثرته لرددته ، ومثله قول القائل : أنت الذي فعلت ، وقوله : ( أنا الذي سمتني أمي حيدره ) والقياس فعال ، وسمته وقوله : * ( وهُوَ الله فِي السَّماواتِ وفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وجَهْرَكُمْ ) * [ سورة الأنعام ، الآية : 3 ] الظَّرف لا يتعلق بالاسم أعني لفظة اللَّه على حد ما يتعلق بإله إلا على حد ما ذكره لك ، وهو أنّ الاسم لما عرف منه معنى التّدبير للأشياء وإبقائها بحفظ صورها في نحو : أنّ اللَّه يمسك السّموات والأرض أن تزولا ، ونحو : و يمسك السّماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ، ونحو : أمن جعل الأرض قرارا ، وجعل خلالها أنهارا ، صار إذ ذكر كأنه ذكر المدبّر والحافظ فيجوز أن يتعلَّق الظَّرف بهذا الذي هو الاسم العالم بعد أن صار مخصوصا وفي حكم أسماء الأعلام التي لا معنى فعل فيها ، فهذا بمعنى الاسم ، وما كان يدل عليه من قبل من معنى الفعل . و على هذا تقول : هو حاتم جوادا ، وهو أبو حنيفة فقيها ، وهو زهير شاعرا ، فتعلق الحال مما دخل في هذه الأسماء من معنى الفعل لاشتهارها بهذه المعاني ، فلا ترى أنك لا تقول : هو زيد جوادا ما لم يعرف بذلك وعلى هذا تقول : هو حاتم كلّ الجواد ، وهو أبو حنيفة كل الفقيه . و منه قوله تعالى : * ( إِنَّ رَبَّكُمُ الله الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) * * [ سورة يونس ، الآية : 3 ] الآية ، لما كان اللَّه تعالى خالق الأشياء ومبتدعها ، ومدبّر الأفلاك ومسخّرها ، وكانت الأبصار لا تدركه ، والأقطار لا تحده ، وأراد مع ذلك أن يعرف نفسه إلى من يتعبّده من خلقه لتسكن نفوسهم إلى مصطنعهم فيعتصموا به ويتمسكوا بدعائه أحالهم على مراده من ذلك بآثاره وآياته في أرضه وسمائه ، إذ كان الطريق إلى معرفة الشيء أما أن يكون بما يؤدي إليه رواتب الحس ، وهي الأجسام والأعراض ، أو بما يبرهن عليه دلائل الصنّع ، وهو ما يكشف عند الاستدلال ، فأعلم المشركين فيما أنزله أنّ الذي يجب تعظيمه ويحق ربوبيته هو خالق السّماوات والأرض في ستة أيام ، فتوصّلوا إلى معرفة ما نصبه من أدلَّته ، فسيشهد لكم من جلائل قوّته وعزّته ما يزيد في البيان على ما يصل إليه الواحد منكم بحاسّته ويصوّر لكم النّظر بما مهل في أوائل عقولكم ما تميّز الشّك من اليقين لكم وتخلَّص الصفو من الكدر