الباب الرّابع والخمسون في اشتداد الزّمان بعوارض الجدب وامتداده بلواحق الخصب يروى عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنّه قال في دعائه على الكفار : « اللهم اشدد وطأتك على مضر ، واجعل عليهم سنين كسني يوسف » فدعاهم جهد البلاء إلى أن أكلوا العلهز وهو المعجون من الوبر بدم القراد أعاذنا اللَّه تعالى من السوء برحمته ومن ذلك قول الشّاعر شعرا : < شعر > هلَّا سألت بني ذبيان ما حسبي * إذا رعائي راحت قبل حطَّابي < / شعر > وذلك إذا اشتدّ البرد فراح الرّاعي بإبله قبل الحطَّاب ، لقلة المرعى ولأنّ المحتطبين يحتبسون مستكثرين من الحطب لشدّة البرد ، وقال النابغة في مثله : < شعر > هلَّا سألت بني ذبيان ما حسبي * إذا الدّخان تغثّى الأشمط البرما < / شعر > ويقال : أتانا فلان من الطَّيخة إمّا في فتنة وإمّا في جدب وبلاء ، وأنشد : < شعر > و كنابها بعد ما طيخت عروضهم * كالبهرقية يبغي ليطها الدّسما < / شعر > والمطيخ : الفاسد وقال ابن مقبل : < شعر > ألم تعلمي أن لا يذم فجاءني * دخيلي إذا اغبّر العضاة المجلَّح < / شعر > يريد أنّ الدّخيل لا يذمّه إذا غشيه في وقت لم يكن مستعدا للاحتفال به والمجلَّح الذي أكلته الإبل حتى ذهبت بغصونه ، وصار كالرأس الأجلح ، ومثله قول الأعشى : < شعر > و إني لا يشتكيني الألوك * إذا كان صحو السّحاب الضّريبا < / شعر > أراد بالألوك ذو الألوك وهي الرسالة ، يريد لا أردّ صاحبها بغير شيء فيشكوني في هذا الوقت البارد الجدب ، وبيّن هذا المعنى لبيد وبسطه فقال : < شعر > و غلام أرسلته أمّه * بألوك فبذلنا ما سأل أو نهته فأتاه رزقه * فاشتوى ليلة ريح واجتمل < / شعر >