الباب الرّابع في ذكر ابتداء الزّمان وأقسامه و التّنبيه على مبادئ السّنة في المذاهب كلَّها وما يشاكل ذلك من تقسيمها على البروج يقال : إن اللَّه تعالى خلق الخلق كلَّه والشّمس برأس الحمل والزّمان معتدل واللَّيل والنّهار مستويان ، فأوّل الأزمنة فصل الصيف ، وهو الذي يدعوه النّاس الربيع ومنه ابتداء سنة الفرس فكلما حلَّت الشّمس برأس الحمل فقد مضت للعالم سنة عندهم ، قال ابن قتيبة : و لذلك قال أبو نواس شعرا : < شعر > أما ترى الشّمس حلَّت الحملا * وقام وزن الزّمان فاعتدلا وغنّت الطير بعد عجمتها * واستوفت الخمر حولها كملا < / شعر > لأن مراده استوفت الخمر حول الشّمس كملا فالهاء في قوله : حولها كناية عن الشّمس قد مضى ذكرها ، قال ثعلب : حولها تقلبها من حال إلى حال . و قال المبرد : من ابتداء إبراق الكرم إلى استحكام العنب ستة أشهر ، ومن استحكام العنب إلى استحكام الخمر ستة أشهر ، وذلك عند حلول الشّمس برأس الحمل فلذلك حول . وقال بعضهم : حول الخمر ستة أشهر والضّمير لها فهذا ما في هذا وقد قال أبو نواس في قصيدة أخرى أوّلها شعرا : < شعر > أعطتك ريحانها العفار * وحان من ليلك السّفار < / شعر > ثم قال : < شعر > تحيّرت والنّجوم وقف * لم يتمكَّن لها المدار < / شعر > وفي هذا البيت معنى لطيف مليح وذلك أن أصحاب النّجوم والحساب يقولون : إنّ اللَّه تعالى حين خلق النّجوم وجعلها واقعة في برج ، ثم سيّرها من هناك ، فيريد أنّ هذه الخمرة