نام کتاب : الطب النبوي نویسنده : ابن قيم الجوزية جلد : 1 صفحه : 93
ما ينفع في علته . وربما توضأ وصب على المريض من وضوئه . وربما كان يقول للمريض : " لا بأس عليك ، طهور إن شاء الله تعالى " . وهذا من كمال اللطف ، وحسن العلاج والتدبير . فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الأبدان بما اعتادته من الأدوية والأغذية ، دون ما لم تعتده هذا أصل عظيم من أصول العلاج ، وأنفع شئ فيه . وإذا أخطأه الطبيب : ضر المريض من حيث يظن أنه ينفعه . ولا يعدل عنه إلى ما يجده من الأدوية في كتب الطب ، إلا طبيب جاهل . فإن ملاءمة الأدوية والأغذية للأبدان : بحسب استعدادها وقبولها . وهؤلاء أهل البوادي والا كارون وغيرهم : لا ينجع فيهم شراب اللينوفر والورد الطري ولا المغلى [1] ، ولا يؤثر في طباعهم شيئا . بل عامة أدوية أهل الحضر وأهل الرفاهية ، لا تجدى عليهم . والتجربة شاهدة بذلك . ومن تأمل ما ذكرناه - من العلاج النبوي - رآه كله موافقا لعادة العليل وأرضه ، وما نشأ عليه . فهذا أصل عظم من أصول العلاج : يجب الاعتناء به . وقد صرح به أفاضل أهل الطب ، حتى قال طبيب العرب ، بل أطبهم الحارث بن كلدة - وكان فيهم كأبقراط في قومه - : " الحمية رأس الدواء ، والمعدة بيت الداء ، وعودوا كل بدن ما اعتاد " ، وفى لفظ عنه : " الأزم دواء " . والأزم : الامساك عن الاكل ، يعنى به : الجوع . وهو من أكبر الأدوية في شفاء الأمراض الامتلائية كلها : بحيث إنه أفضل في علاجها من المستفرغات ، إذا لم يخف من كثرة الامتلاء ، وهيجان الاخلاط وحدتها وغليانها . وقوله : " المعدة بيت الداء " ، ( المعدة ) : عضو عصبي مجوف كالقرعة في شكله ، مركب من ثلاث طبقات مؤلفة من شظايا دقيقة عصبية ، تسمى الليف ، ويحيط بها لحم ، .