ولا غرو أن نجد الحكام والخلفاء يهتمون في أن يكون أطباؤهم من هؤلاء الذين هم من غير المسلمين ، بل من اليهود ، والنصارى ، والمجوس ، حتى لقد كان للمتوكل [ 56 ] طبيباً كلهم من النصارى [1] . . فإنهم ما كانوا يطمئنون إلا إليهم ، ولا يعتمدون في تنفيذ مآربهم السياسية - كتصفية خصومهم [2] - إلا عليهم . رغم وجود النطاسيين في هذا الفن من المسلمين ، والذي كان لهم فيه اليد الطولى ، ابداعاً واختراعاً ، وشمولية وعمقاً ، مثل : أحمد بن أبي الأشعث ، وعلي بن عيسى الكحال ، وأحمد بن محمد الطبري ، وابن الصوري ، وغيرهم ممن يعد بالعشرات ، والمئات . وقد كان علماء المسلمين يلومون الخلفاء والوزراء في تعظيمهم النصارى للتطبب [3] . نعم . . لقد استعان المسلمون بغيرهم في عالم الطب . . ولكنهم لم تمض عليهم مدة وجيزة حتى حققوا فيه أعظم المنجزات ، التي يمكن أن يحققها إنسان في فترة وظروف كتلك التي مرت على المسلمين آنذاك . .
[1] تاريخ التمدن الإسلامي ، المجلد الثاني ص 200 عن طبقات الأطباء ج 2 ص 140 . [2] فقد كان ابن أثال النصراني ، طبيب معاوية هو الأداة التي يستخدمها معاوية في تصفية خصومه السياسيين ، [ عيون الأنباء ص 171 / 172 ، والتراتيب الإدارية ج 1 ص 461 ونسب قريش لمصعب الزبيري ص 327 وغيره ] ، كما أن المعتصم قد تخلص من المأمون على يد يوحنا بن ماسويه النصراني [ عيون الأنباء ص 254 ] وأبو الحكم النصراني الدمشقي كان يعتمد عليه معاوية في تركيب الأدوية لأغراض قصدها منه [ عيون الأنباء ص 175 والتراتيب الإدارية ج 1 ص 461 ] وغير ذلك كثير ، لا مجال لتتبعه . [3] البحار ج 81 ص 209 عن الدعوات للراوندي .