الغفلة والحجاب عن المتولي في الحقيقة لجميع الأمور وهو الله تعالى لأنه تعالى متولي أمر المؤمن والكافر والغافل والمستيقظ ، ولكن قال تعالى : ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب ) . أي إنما يعلم ذلك ، وهو عدم الفرق بينهما أصحاب البصائر . ومما يدل على ثبوت الكرامة بعد الموت من أقوال الفقهاء قولهم بكراهة الوطئ على القبور . قال في مختصر محيط السرخسي للإمام الخبازي : وكره أبو حنيفة رحمه الله تعالى أن يطأ على قبر أو يجلس أو ينام عليه أو يبول أو يتغوط لما فيه من الإهانة . وفي جامع الفتاوى لقارئي الهداية : وسئل بعض الفضلاء عن وطئ القبور فقال : يكره . قيل : هل يكره على أنه تارك للأولى . فقال : لا بل يأثم لأنه عليه السلام قال : لأن أضع قدمي على جمر أحب إلي من وطئ القبر . قيل : التابوت والتراب الذي فوقه بمنزلة السقف . فقال : وإن كان له بمنزلة السقف لكن حق الميت باق فلا يجوز . أن يوطأ . وسئل الخجندي عن رجل لو كان قبر والديه بين القبور هل يجوز له أن يمر بين قبور المسلمين بالدعاء والتسبيح وقراءة القرآن ويزور قبرهما ؟ فقال : له ذلك إن أمكنه من غير وطئ القبور انتهى . وفي فتح القدير : ويكره الجلوس على القبر ووطئه . وحينئذ فما يصنعه الناس ممن دفنت أقاربه ثم دفنت حواليهم خلق ، من وطئ تلك القبور إلى أن يصل إلى قبر أبيه مكروه ويكره النوم عند القبر وقضاء الحاجة بل أولى وكل ما لم يعهد من السنة ، والمعهود منها ليس إلا زيارتها والدعاء عندها قائما كما كان يفعل صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى البقيع ويقول : " السلام عليك م دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون أسأل الله لي ولكم العافية " . انتهى كلامه . وحيث صح هذا وثبت في كتب الفقه فنقول : لم يكره الوطئ على القبر والجلوس عليه إلا لكرامة الموتى بعد موتهم . وهذه الكرامة ثابتة في الشرع . وهي أمر خارق للعادة في الخلق ، فإن العادة جارية أن الإنسان يباح له أن يمشي على الأرض وأن يجلس عليها وأن يطئ برجله أبعاض الحيوانات كلها إلا موتى أهل الإيمان ، فقد خولفت العادة في حقهم فكره ذلك كله كراهة تحريم ،