ذاهبا إلى زيارة قبر الشيخ أرسلان الدمشقي رضي الله عنه : كيف تزورون ترابا ؟ ما هذا إلا قلة عقل ! فتعجبت من ذلك غاية العجب ، وقلت في نفسي : ما هذا قول من يدعي الإسلام ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . وقد ورد في الحديث " أن القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران ولا معنى لذلك إلا أن روحانيات الموتى إما تنعم في قبورهم أو تعذب فيها . وذلك باتصال الروحانيات بالأجساد البالية التي خرجت من الدنيا وهي طاهرة بالإيمان والطاعات أو قذرة بالكفر والمخالفات . فحينئذ قبور المؤمنين محترمة متبجلة معظمة كما كانوا قبل ذلك ، وهم أحياء محترمون متبجلون . فإن من احتقر عالما أو بغضه خيف عليه الكفر ، كما صرح بذلك الفقهاء . ولا فرق بين الأحياء في ذلك والأموات . أرأيت أن الأحياء والأموات كلهم مخلوقات الله تعالى لا تأثير لأحد منهم في شئ من الأشياء البتة . وإنما المؤثر هو الله تعالى وحده على كل حال والأحياء والأموات سواء في عدم التأثير قطعا من غير شبهة ولكن الاحترام واجب في حق الجميع . قال تعالى ( ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ) وشعائر الله هي الأشياء التي تشعر أي تعلم به تعالى كالعلماء والصالحين أحياء وأمواتا ونحوهم . ومن تعظيمهم بناء القباب على قبورهم وعمل التوابيت لهم ومن الخشب حتى لا تحتقرهم العامة من الناس وإن كان ذلك بدعة فهي بدعة حسنة ، كما قال الفقهاء في تكبير العمائم وتوسيع الثياب للعلماء ، أنه جائز حتى لا تستخف بهم العامة ويحترمونهم . وإن كان ذلك بدعة لم يكن عليها السلف حتى قال في جامع الفتاوى في البناء على القبر : وقيل لا يكره إذا كان الميت من المشايخ والعلماء والسادات . وفي المضمرات : وكان الشيخ أبو بكر محمد بن الفضل يقول : لا بأس باستعمال الأجر في ديارنا وكان يجوز استعمال رفرف الخشب . وذكر الإمام التمرتاشى : هذا إذا كان حول الميت وأما إذا كان فوقه فلا يكره لأنه عصمة منن السباع وهذا كما اعتادوا التسنيم باللبن صيانة عن النبش . ورأوا ذلك حسنا . وفي تنوير الأبصار : ولا يرفع عليه بناء . وقيل : لا بأس به . وهو المختار وفي شرح الكنز