نام کتاب : شفاء السقام نویسنده : السبكي جلد : 1 صفحه : 147
قلت : وهذا في العمرة متجه ، لأنه يمكنه فعلها متى وصل إلى مكة ، وأما الحج فله وقت مخصوص ، فإذا كان الوقت متسعا لم يفت عنه بمروره بالمدينة شئ . وممن نص على هذه المسألة من الأئمة أبو حنيفة رحمه الله وقال : الأحسن أن يبدأ بمكة ، روى ذلك الحسن بن زياد عنه فيما حكاه أبو الليث السمرقندي . فانظر كلام السلف والخلف في إتيان المدينة إما قبل مكة ، وإما بعدها . ومن أعظم ما تؤتى له المدينة الزيارة ، ألا ترى أن بيت المقدس لا يأتيه إلا القليل من الناس وإن كان مشهودا له بالفضل ، والصلاة فيه مضاعفة ؟ ! فتوفر الهمم خلفا عن سلف على إتيان المدينة إنما هو لأجل الزيارة ، وإن اتفق معها قصد عبادات أخر فهو مغمور بالنسبة إليها . وأما ما نقل من تعليل بعض الصحابة بالإهلال من ميقات النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذلك أمر مقصود ، وليس هو كل المقصود ، ولعلهم رضي الله عنهم رأوا أنه ميقاتهم الأصلي لما كانوا بالمدينة مع نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم فأحبوا أن لا يغيروا ذلك ، وإلا فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وقت لأهل كل بلد ميقاتا ، ولعل الاحرام منه أولى ، إلا أن يعارضه معارض . والتابعون الكوفيون الذين اختاروا البداءة بالمدينة لم ينقل عنهم تعليل ، فلعل سببه عندهم إيثار الزيارة ، ولو كانت العلة الاحرام من ميقات النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يأتوها إذا اتفق لهم البداءة بمكة ، لفوات الاحرام ، فلما اتفقوا على إتيانها - وإنما اختلفوا في البداءة - دل على أن العلة غيره ، وهي ما فيها من المشاهد ، وأعظمها الزيارة ، فهي إما كل المقصود ، أو معظمه ، وغيرها منغمر فيها . وممن اختار البداءة بمكة ثم إتيان المدينة والقبر ، الإمام أبو حنيفة ، كما سنحكيه عنه في الباب الرابع .
147
نام کتاب : شفاء السقام نویسنده : السبكي جلد : 1 صفحه : 147