نفس القبر ، فإن بناء القبة وجدرانها بعيدة عن القبر ، ليس بناء على القبر على الحقيقة ، وإنما هو نوع من المجاز ، وحمل اللفظ على الحقيقة حيث لا صارف عنها معين ، مع أن النهي عن الوطء يؤكد هذا المعنى ، لا الذي فهموه من الرواية . وأما الاستدلال على وجوب هدم القباب بحديث أبي الهياج ، فغير تام في نفسه - مع قطع النظر عن مخالفته للإجماع والسيرة - لوجوه : * الأول : إن الحديث مضطرب المتن والسند . فتارة يذكر عن أبي الهياج أنه قال : " قال لي علي " كما في رواية أحمد عن عبد الرحمن [107] . وتارة يذكر عن أبي وائل ، أن عليا قال لأبي الهياج [108] . ورواه عبد الله بن أحمد في " مسند علي " هكذا : " لأبعثنك فيما بعثني فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن أسوي كل قبر ، وأن أطمس كل صنم " [109] . فالاضطراب المزبور يسقطه عن الحجية والاعتبار . * الثاني : إنه من الواضح أن المأمور به في الرواية لم يكن هدم جميع قبور العالم ، بل الحديث وارد في بعث خاص وواقعة مخصوصة ، فلعل البعث قد كان إلى قبور المشركين لطمس آثار الجاهلية - كما يؤيده ذكر الصنم - أو إلى غيرها مما لا نعرف وجه مصلحتها ، فكيف يتمسك بمثل هذه الرواية لقبور الأنبياء والأولياء ؟ !
[107] مسند أحمد 1 / 96 . [108] مسند أحمد 1 / 129 . [109] مسند أحمد 1 / 89 و 111 .