الموقف العبّاسي : كان الموقف العبّاسي يسير على خطى الأمويين في التعتيم على تراث أهل البيت عليهم السّلام تحت أقنعة متلوّنة ، ويكفي كمثال واحد موقف الخليفة العبّاسي أبي جعفر المنصور الدوانيقي الذي أمر مالك بن أنس ( ت / 179 ه ) تأليف كتابه « الموطأ » ليفرضه على سائر المسلمين فرضا . وقال له : « ضع هذا العلم ودوّنه ودوّن منه كتبا وتجنّب فيه شدائد عبد الله بن مسعود وأقصد إلى أوسط الأمور وما اجتمع عليه الأئمّة والصحابة رضي الله عنهم لنحمل النّاس - إن شاء الله - على علمك وكتبك ونبثّها في الأمصار ونعهد إليهم ألَّا يخالفوها ولا يقضوا بسواها » [1] . وأقل ما يقال في هذا الموقف : إنّ دين الله لم يكن ملكا لأحد ، وتراث الإسلام لم ينحصر في رجل واحد فقط ، وإنّه لا مبرّر لأنّ يفرض رأي رجل واحد على جميع المسلمين . وأنّه لا يصح إلزامهم بأن لا يخالفوها وإن كانت رواياتهم أصح منها ، لما ذا ؟ هل حصلت نبوّة جديدة ؟ وهل مات قادة الفكر الإسلامي كافّة ؟ ولما ذا لم يسألوا ذلك من أئمة أهل البيت عليهم السّلام في المدينة ، الذين نزلت فيهم الرسالة ؟ هذه أسئلة لا يجوز للمؤلف المنصف أن يمر عليها بسلام من دون فحص ، ولم يسلم تراث أهل البيت عليهم السّلام من التنكر له والتجاهل عنه حتّى في عصر النور ودعاة الموضوعية . فقد أهمل المستشرقون دراسة تراث أهل البيت عليهم السّلام إهمالا تامّا تبعا للمتطرّفين من المحدّثين الذين كتبوا ما كتبوا تزلَّفا للحكام ، وهؤلاء ألَّفوا ما ألَّفوا للجاه والمقام ، وليس من المستبعد أن يقيض الله في المستقبل من يحمل روح الإنصاف ويدرس هذا التراث بوعي وموضوعيّة . وما عساني أن أقول في تراث أهل البيت الذي حاربه السياسيّون خوفا ، والمناوؤن بغضا ، ووعّاظ السلاطين حسدا ، والمستشرقون جهلا ، والشيعة أنفسهم تقيّة ، فليس من الغريب أن يضيع الكثير من هذا التراث ، بل الغريب أن يبقى منه ما بقي .