نام کتاب : ربع قرن مع العلامة الأميني نویسنده : الحاج حسين الشاكري جلد : 1 صفحه : 260
كان ذلك في العهود البعيدة ، عهود تدوين الكتب باليد وخطها بالقلم ، حيث لا طباعة ولا وسيلة لنشر الكتاب إلا أيدي الكاتبين وأقلامهم . وتتوالى العصور على النجف ، تتوالى بكل أعاصيرها طورا وكل سكونها طورا ، تتوالى وتتوالى معها الأيدي ، حافظة تارة وعابثة أخرى - وما كان للنجف أن يصمد للعبث ، ويد التخريب هي دائما أنجح من يد التعمير - حتى تمزقت المكتبة الكبيرة وذهبت ، إما ركاما فوق ركام تأكلها الرطوبة ويبليها الإهمال ، وإما استحلالا من المستحلين واستغلالا للمستغلين . وكان من العار أن يذهب الذاهب إلى النجف ، فيسأل عن مصادر العلم وموارد الكتب فلا يجد مصدرا عاما ولا موردا راهنا ، لولا بقية من الحفظة العاملين ، الذين أقاموا في دورهم مكتبات حافلة وخزانات عامرة ، كانت لا تلبث أن تموت بموت جامعها وتتفرق ها هنا وها هنا . ولطالما عانيت حرجا حينما كان يلم بي الذاهبون إلى النجف مستطلعين عن مكتبتها الكبرى ، فلا أجد جوابا سوى أن أحيلهم إلى الأعلام من مقتني الكتب وحفاظها ، فيتساءلون : أليس في النجف ما في مثيلاتها من دور الكتب ؟ ! كان ذلك قبل أن يهب شيخنا الأميني هبته الكبرى ، ويطلق نداءه الصارخ . . . ومن العجيب أن أحدا قبله لم يفكر تفكيره القويم ، ويسلك صراطه المستقيم . وعلى ما رأت النجف من أعلام ، وما مر بها من عظام ، لم تجد قبل الأميني مفكرا من هذا الطراز ، يدرك بثاقب بصيرته حاجة النجف فيسدها . ومن هنا نستطيع أن نحس بعد نظر الأميني وعمق تفكيره وما كان له من انفتاح على شؤون الكون وحاجات الحياة ، ومن هنا نستطيع أن نقول : إنه لم يكن لمذهبه ولا لدينه ولا لبلدته ولا لموطنه فحسب ، بل كان إنسانيا ، يستغرق بجهده أرفع ما في الإنسانية من رفيع ، وعالميا يستوعب أنبل ما في العالم من نبيل . وهل يشارك العالم كله في شئ أنبل من مشاركته في تشييد نوادي الفكر وما تضمنه من علم جم وأدب ثر ؟ !
260
نام کتاب : ربع قرن مع العلامة الأميني نویسنده : الحاج حسين الشاكري جلد : 1 صفحه : 260