نام کتاب : تذكرة الأعيان نویسنده : الشيخ السبحاني جلد : 1 صفحه : 240
وأمّا اللون الآخر للتاريخ الذي أصبح علماً مستقلا احتل مكانة ممتازة بين العلوم الإِنسانية هو التاريخ التحليلي ، وهو أن يقوم الموَرخ بتحليل الظواهر التاريخية ، ويعيّن علل الحوادث ونتائجها ، ويميّز الصحيح عن الزائف تحت المشراط العلمي ، وهذا اللون من التاريخ وإن شاع في العصور المتأخرة ، ولكن ليس كلّ موَرخ محلل ، ولا كل تحليل تحليلًا صحيحاً . إنّ القرآن الكريم يدعو إلى دراسة التاريخ والتدبر فيه على النمط الثاني وهو يتلو على أسماعنا ما جرى على الأُمم السالفة من سعادة وشقاء ، وما استخلفوا من صالح الاعمال وطالحها ، ولم يبرح يحث على السبر والغور في حياة الأُمم السالفة ، والتفكر فيما حلّ بهم من تقدّم وتدهور حتى يستنتج من قراءة القصص قانوناً عاما لمجتمعه ويعرف لهم عوامل الرقي والازدهار أو عوامل السقوط والانحلال ، قال سبحانه : * ( ( ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّه عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وحَصِيدٌ ) ) * [1] وقال سبحانه : * ( ( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ولَدارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ ) ) * [2] وقال في آية أُخرى : * ( ( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الأَبْصارُ ولكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) ) * [3] . إلى غير ذلك من الآيات الكريمة الواردة في هذا المضمار .