نام کتاب : تذكرة الأعيان نویسنده : الشيخ السبحاني جلد : 1 صفحه : 122
وربما يتفلسف ويقول : إنّما أُعطينا العقل لإِقامة العبودية لا لإِدراك الربوبية ، فمن شغل ما أُعطي لإِقامة العبودية في إدراك الربوبيّة ، فاتته العبودية ولم يدرك الربوبية [1] . وكأنّه يتصوّر أنّ العبودية تنحصر في القيام والقعود لأَداء الصلاة ، والإِمساك للصوم ، ولكنّه غفل عن أنّ ركناً من العبودية يعود إلى العقل والقلب ، وأقلّ مراتبه الايمان بالغيب . فإذا أمكن له استشعار الغيب وما فيه من المعارف عن طريق الامعان في الكتاب والسنّة ، والأَقيسة العقليّة ، فقد قام بوظيفة الربوبية . وهذا يعرب عن أنّ الطائفتين تائهتان ، وتسيران في وادٍ مُظْلِم ، فالأولى تؤَدّي إلى التجسيم والتشبيه ، والثانية إلى تعطيل وإيصاد باب المعرفة في وجه الإِنسان . فلو كان التفكَّر العقلي في المعارف الإِلهيّة أمراً ممنوعاً ، وكانت الوظيفة منحصرة في القراءة فحسب ، كما يقوله ابن قدامة المقدسي : « وعلى هذا درج السلف والخلف ، فهم متّفقون على الإِقرار والإِمرار والإِثبات ، لما ورد من الصفات في كتاب اللَّه وسنّة رسوله من غير تعرّض لتأويله » [2] فما بال القرآن يثير في الإِنسان التفكَّر في المعارف ، ويأخذ بيده للوصول إلى غايتها الممكنة ، ويقول : * ( ( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا الله لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ الله رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ) ) * [3] . وقال سبحانه : * ( ( مَا اتَّخَذَ الله مِنْ وَلَدٍ وما كانَ مَعَه مِنْ إِله إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِله بِما خَلَقَ ولَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ الله عَمَّا يَصِفُونَ ) ) * [4] .
[1] رضا نفسان ، علاقة الإِثبات والتفويض ، نقلًا عن الحجّة في بيان المحجة : 33 . [2] المراد من التأويل تفسيرها بما يتجاوب مع تنزيهه على ضوء سائر الآيات والأَقيسة المنطقيّة . [3] الأَنبياء : 22 . [4] المؤمنون : 91 .
122
نام کتاب : تذكرة الأعيان نویسنده : الشيخ السبحاني جلد : 1 صفحه : 122