ففيه أولا : أنه قد عرفت عذر الفقهاء . وثانيا : إن اعتقاد الصحة من المقدس كيف ينفع الجاهل الذي لا يعرف انها صحيحة ؟ غاية ما في الباب أنه يزعم الصحة لا أنه يعرفها من الشرع ، فإن كان هذا الزعم كافيا للصحة عنده وحصول براءة ذمته فيلزم من هذا أن تكون ما خالفت الواقع أيضا صحيحة ومبرئة للذمة ، لان زعمه الصحة موجود فيما خالفت الواقع أيضا من دون فرق عنده أصلا بل ربما كانت المخالفة للواقع عنده أوثق في كونها صحيحة ، مع أنه لا بد من دليل على كون هذا الزعم كافيا لبراءة ذمته ، مع أن الأدلة تقتضي عدم الكفاية بل وعدم جواز متابعته كل زعم أو ظن أو رأي أو استحسان أو تقليد ، إلا ما رخص الشارع وجعله حجة على حسب ما عرفت . وبالجملة إن بني الامر على أن المكلف لا بد من أن يعرف امتثاله وخروجه عن العهدة حتى يصير بري الذمة ، فقد عرفت أنه لا يمكنه معرفة المطابقة للواقع وتمييزها عن المخالفة للواقع ، بل بزعمه أن الكل مطابق للواقع ، فزعمه لا يكون كافيا لبراءة ذمته البتة ، مع أن الأدلة أيضا تدل على خلافه ، وإن أراد أنه إذا قلد المجتهد الذي يقول بالصحة تكون صحيحة ، فيصير حينئذ عالما غير جاهل ، أو يخرج من المفروض ، مع أنه لا يمكنه تمييز ما طابق الواقع عن غيره ، والشرط من مجتهده أنها صحيحة بشرط المطابقة فلا ينفع التقليد أيضا . وإن بني الامر على أن الصحة والخروج يتحقق من غير حاجة إلى معرفة التكليف . ففيه : أن امتثال الامر عرفا إنما يتحقق إذا علم الخروج ، إذ لو اعتقد أنه لم يتمثل ولا يريد الامتثال فلا شك في كونه عاصيا .