قال الحافظ أبو الفضل : وأنا أُقسم بالله ثلاثًا ، وأشهد بالله لقد قال لي ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثَا . ويشير في كل مرةٍ بيده اليمنى إلى الشيخ أبي منصور . قال : فانتبهتُ وأعضائي ترعد ، فناديتُ والدتي رابعة بنت الشيخ أبي حكيم الحبري ، وحكيتُ لها ما رأيت ، فقالت : يا بني ، هذا منامُ وحي ، فاعتمد عليه . فلما أصبحت بكرت إلى الصلاة خلف الشيخ أبي منصور . فلما صلينا الصبح قصصتُ عليه المنام ، فدمعت عيناه ، وخشع قلبُه ، وقال لي : يا بُني ، مذهبُ الشافعي حسن ، فتكون على مذهب الشافعي في الفروع ، وعلى مذهب أحمد وأصحاب الحديث في الأصول ، فقلت له : أي سيدي ، ما أريد أكون لونين . وأنا أشهد اللّه وملائكته وأنبيائه ، وأشهدُك على أني مُنذ اليوم لا أعتقد ولا أدين اللّه ولا أعتمدُ إلا على مذهب أحمد في الأصول والفروع . فقبَّل الشيخ أبو منصور رأسي ، وقال : وفقك اللّه ، فقبَّلتُ يدَه . وقال لي الشيخ أبو منصور : أنا كنتُ في ابتدائي شافعيًا . وكنت أتفقه على القاضي الإمام أبي الطيب الطبري ، وأسمع الخلاف عليه . فحضرت يومًا عند الشيخ أبي الحسن علي بن عمر القزويني الزاهد الصالح لأقرأ عليه القرآن ، فابتدأت أقرأ عليه القرآن ، فقطع علي القراءة مرة أو مرتين ، ثم قال : قالوا وقلنا ، وقلنا وقالوا . فلا نحن نرجع إليهم ، ولا هم يرجعون إلى قولنا ، ورجعنا إلى عادتنا . فأيّ فائدة من هذا ؟ ثم كرر عليّ هذا الكلام ، فقلت في نفسي : واللّهِ ما عنى الشيخ بهذا أحدًا غيري ، فتركتُ الاشتغال بالخلاف . وقرأتُ مختصر أبي القاسم الخرقي على رجل كان يُقرئ القرآن . قال الحافظ : ورأيتُ بعد ذلك ما زادني يقينًا ، وعلمتُ أن ذلك تثبيتٌ مِن الله ، وتعليمٌ لأعرف حق لْعمة اللّه عليَّ وأشكره ، والله المسؤولُ الخاتمة بالموت على الإسلام والسنة آمين .