قال سبطه أبو المظفر : جلس جدي يوم السبت سابع شهر رمضان - يعني سنة سبع وتسعين وخمسمائة - تحت تربة أم الخليفة المجاورة لمعروف الكرخي . وكنت حاضرًا ، فأنشد أبياتًا قطع عليها المجلس ، وهي هذه . الله أسأل أن يطول مدتي * وأنال بالإنعام ما في نيتي لي همة في العلم ما من مثلها * وهي التي جَنت النحول هي التي حلفت من الفلق العظيم إلى المنى * دعيت إلى نيل الكمال فلبَّت كم كان لي من مجلس لو شبهت * حالاته لتشبهت بالجنة اشتاقه لما مضت أيامه * عللاً تعذر ناقة إن حنت يا هل لليلات بجمع عودة * أم هل إلى وادي منى من نظرة ؟ قد كان أحلى من تصاريف الصبي * ومن الحمام مغنياً في الأيكة فيه البديهات التي ما نالها * خلق بغير مخمر ومبيت برجاحة وفصاحة وملاحة * تقضي لها عدنان بالعربية وبلاغة وبراعة ويراعة * ظن النباتي أنها لم تنبت وإشارة تبكي الجنيد وصحبه * في رقة ما نالها ذو الرمة قال أبو شامة : هذه الأبيات أظنها كان نظمها في أيام محنته ، إذْ كان محبوسًا بواسط فمعانيها دالة على ذلك . والله أعلم . ثم قال أبو المظفر : ثم نزل عن المنبر ، فمرض خمسة أيام ، وتوفي ليلة الجمعة بين العشائين في داره يقطتفنا . قال : وحكت لي والدتي أنها سمعته يقول قبل موته : إيش أعمل بطواويس ؟ يرددها . قد جئتم لي هذه الطواويس . وحضر غسله شيخنا ضياء الدين بن سكينة وضياء الدين بن الجبير وقت السحر . واجتمع أهل بغداد ، وغلقت الأسواق ، وجاء أهل المحال ، وشددنا التابوت بالحبال ، وسلمناه إليهم ، فذهبوا به إلى تحت التربة مكان جلوسه ، فصلى عليه ابنه أبو القاسم عليه اتفاقاً لأن الأعيان لم يقدروا على