واعلموا أن النوى قد كدرت * صفو الليالي ، فاحذروا أن تندموا قال : فالتفت إلى بعض أصحاب الشيخ ، وقلت له : هذا المنام كأنه ينعي إلى الشيخ نفسه ، فعاش الشيخ بعد ذلك تمام ثلاثة - أو أربعة - أشهر كما هو ظاهر . قال : وابتدأ به المرض بعد نصف شعبان . وكان مرضه الإسهال . وذلك من تمام السعادة لأن مرض البطن شهادة . ولما ازداد مرضه أقبل الناس إلى عيادته من الأكابر والعلماء ، والتلامذة والأصحاب . فحدثني صاحبه أبو محمد إسماعيل بن علي الفقيه ، وهو الذي تولى تمريضه قال : قال لي الشيخ يوم الخميس ثاني رمضان : أي فخر ، آخر تعبك معي يوم الأحد ؟ قال : وهكذا كان . فإنه توفي يوم السبت رابع شهر رمضان ، ودفناه يوم الأحد - يعني خامس رمضان - سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة . قال : ونودي في الناس بموته ، فانثال من الخلائق والأمم عدد يفوت الإحصاء . فازدحم الناس ، وخيف من الفتن ، فنفذ الولاة الأجناد والأتراك بالسلاح ، وفتح له جامع القصر ، وازدحم الناس ازدحامًا هائلاً ، وحمله أصحابه وغلمانه . وحكى لي بعضهم : أنهم في حال حمل سريره لم يبق في رجل أحد منهم مداس إلا وشد . لفرط الزحام . فلما فرغوا من دفنه أعيدت إليهم لم يفقدوا منها شيئًا . وقدم الشيخ الصالح سعد بن عثمان بن مرزوق المصري إمامًا في الصلاة عليه ، بعدما اجتهد المماليك والأتراك والأجناد في إيصاله إلى عند نعشه . وكان الناس قد ازدحموا على الشيخ سعد أيضًا يتبركون به ، حتى خيف عليه الهلاك . وكانت جنازته قد قدمت إلى عند المنبر والشباك . وحدثني أبو عبد الله محمد بن طنطاش البزار قال : لما وصل الشيخ سعد إلى جنازة الشيخ أمسك عن التكبير ، وأطال الوقوف حتى سكن الناس وسكتوا ، وهدأت الأصوات ، بحيث لم يسمع سوى التكبير ، ثم كبر فأعجب الناس ما فعل