حد العقول ، وانحصرت القدر الربانية في درك العلوم . لكان ذلك تقصيرًا في الحكمة ، ونقصًا في القدرة ، لكن احتجبت أسرار الأزل عن العقول ، كما احتجبت سبحات الجلال عن الأبصار . فقد رجع معنى الوصف في الوصف ، وعمي الفهم عن الدرك ، ودار الملك في الملك ، وانتهى المخلوق إلى مثله ، واشتد الطلب إلى شكله " وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسًا " طه : 108 . فجميع المخلوقات من الذرة إلى العرش سبل متصلة إلى معرفته ، وحجج بالغة على أزليته ، والكون جميعه ألسن ناطقة بوحدانيته ، والعالم كله كتاب يقرأ حروف أشخاصه المتبصرون على قدر بصائرهم . ومن كلامه أيضًا : من لم يجد في قلبه زاجرًا فهو خراب . ومن عرف نفسه لم يغتر بثناء الناس عليه . ومن لم يصبر على صحبة مولاه ابتلاه بصحبة العبيد . ومن انقطعت آماله إلا من مولاه فهو عبد حقيقة . والدعوى من رعونة النفس ، واستلذاذ البلاء تحقق بالرضا ، وحلية العارف الخشية والهيبة . وإياكم ومحاكاة أصحاب الأحوال قبل إحكام الطريق ، وتمكن الأقدام فإنها تقطع بكم . ودليل تخليطك صحبتك للمخلطين . ودليل وحشتك أنسك بالمستوحشين . وكان يتمثل بهذه الأبيات : يا غارس الحب بين القلب والكبد * هتكت بالصّد ستر الصبر والجلد يا من تقوم مقام الموت فرقته * ومن يحل محل الروح في الجسد قد جاوز الحب في أعلا مراتبه * فلو طلبت مزيداً منه لم أجد إذا دعى الناس قلبي عنك مال به * حسن الرجاء ، فلم يصدر ولم يرد إن ترضني لم أرد ما دمت لي بدلاً * وإن تغيرت لم أسكن إلى أحد وحكي عن الشيخ أبي إسحاق إبراهيم بن مرسيل الضرير ، الفقيه الشافعي الزاهد رحمه اللّه تعالى ، قال : كان الشيخ أبو عمرو بن مرزوق ، من أوتاد مصر . كان شائع الذكر ، ظاهر الكرامات . زاد النيل سنة زيادة عظيمة ، كادت مصر