وعَدَدَه ، والخيط الذي هو مَشدُود به ، فأخرجته ودَفعته إليه . فسلم إليّ خمسمائة دينار ، فما أخذتها ، وقلت : يجب عليّ أن أعيده إليك ولا آخذ له جزاء ، فقال لي : لا بد أن تأخذ . ألح عليَّ كثيرًا ، فلم أقبل ذلك منه ، فتركني ومضى . وأما ما كان مني : فإني خرجتُ من مكة وركبتُ البحر ، فانكسر المركب وغرق الناس ، وهلكت أموالهم ، وسلمتُ أنا على قطعة من المركب ، فبقيت مُدّةً في البحر لا أدري أين أذهب ، فوصَلت إلى جزيرة فيها قوم ، فقعَدتُ في بعض المساجد ، فسمعوني أقرأ ، فلم يبق في تلك الجزيرة أحد إلا جاء إليّ وقال : علمني القرآن . فحصل لي من أولئك القوم شيء كثير من المال . قال . ثم إني رأيتُ في ذلك المسجد أوراقًا من مصحف ، فأخذتها أقرأ فيها فقالوا لي : تحسن تكتب ؟ . فقلت : نعم ، فقالوا : علمنا الخط ، فجاءوا بأولادهم من الصبيان والشباب ، فكنتُ أعلمهم ، فحصل لي أيضًا من ذلك شيء كثير فقالوا لي بعد ذلك : عندنا صبيَّةً يتيمة ، ولها شيء من الدُنيا نريد أن تتزوج بها ، فامتنعتُ ، فقالوا : لا بل ، وألزموني ، فأجبتهم إلى ذلك . فلما زفوها إليَّ مددتُ عيني أنظر إليها ، فوجدت ذلك العقد بعينه معلقًا في عنقها ، فما كان لي حينئذ شغل إلا النظر إليه . فقالوا : يا شيخ ، كسرتَ قلب هذه اليتيمة من نظرك إلى هذا العقد ، ولم تنظر إليها ، فقصصتُ عليهم قصة العقد فصاحوا وصرخوا بالتهليل والتكبير ، حتى بلغ إلى جميع أهل الجزيرة ، فقلتُ : ما بكم . فقالوا : ذلك الشيخ الذي أخذ منك العقد أبو هذه الصبية ، وكان يقول : ما وجدتُ في الدنيا مسلمًا إلا هذا الذي رد عليَّ هذا العقد ، وكان يدعو ويقول : اللهم اجمع بيني وبينه حتى أزوجه بابنتي ، والآن قد حصلت ، فبقيتُ معها مدة ورزقتُ منها بولدين . ثم إنها ماتت فورثت العقد أنا وولداي ، ثم مات الولدان فحصل العقد لي فبعته بمائة ألف دينار . وهذا المال الذي ترون معي من بقايا ذلك المال . هكذا ساق هذه الحكاية يوسف بن خليل الحافظ في معجمه .