فهذه التهمة ليست مما يتهم به أمثاله الذين جهروا بالحق منذ البداية . وهل يرضي الطاعنين إن يلازم الحياد ويعالج المشكل بطريقة سلبية ، فيصدق عليه ما صدق على بني إسرائيل في قوله عز وجل : ( كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه ) ويتخلى عن قوله صلى الله عليه وسلم : ( من رأي منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان ) أو يشق عصا الشاعة ويخالف الآية الكريمة : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم ) وقوله صلى الله عليه وسلم : ( اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ) فينعزل هو الاخر بجيش وإمارة ويضيف إلى نار الفتنة غازا وحطبا . وقد قال تعالى ( الفتنة أشد من القتل ) وقد علموا أنه لا يتأنى له الاصلاح الا بوعظ ينسجم مع أمزجة الرؤساء في غير لين ولا شدة ، ثم أنه يعمل عملا يستحق عليه كل تشريف وتكريم ، ألم يطعنوا بمثل هذا على أبي عمر يوسف بن عبد البر لمداخلته ذوي السلطان وهو أحفظ أهل زمانه ؟ ألم يشنعوا على أبي بكر ابن العربي في مثل ذلك بقولهم : ( كان يدرس وبغلته عند الباب ينتظر الركوب إلى السلطان )