responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : عيون الأنباء في طبقات الأطباء نویسنده : ابن أبي أصيبعة    جلد : 1  صفحه : 692


قال وينبغي أن تكون سيرتك سيرة الصدر الأول فاقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وتتبع أفعاله وأحواله واقتف آثاره وتشبه به ما أمكنك وبقدر طاقتك وإذا وقفت على سيرته في مطعمه ومشربه وملبسه ومنامه ويقظته وتمرضه وتطببه وتمتعه وتطيبه ومعاملته مع ربه ومع أزواجه وأصحابه وأعدائه وفعلت اليسير من ذلك فأنت السعيد كل السعيد قال وينبغي أن تكثر إيهامك لنفسك ولا تحسن الظن بها وتعرض خواطرك على العلماء وعلى تصانيفهم وتتثبت ولا تعجل ولا تعجب فمع العجب العثار ومع الاستبداد الزلل ومن لم يعرق جبينه إلى أبواب العلماء لم يعرق في الفضيلة ومن لم يخجلوه لم يبجله الناس ومن لم يبكتوه لم يسد ومن لم يحتمل ألم التعلم لم يذق لذة العلم ومن لم يكدح لم يفلح وإذا خلوت من التعلم والتفكر فحرك لسانك بذكر الله وبتسابيحه وخاصة عند النوم فيتشربه لبك ويتعجن في خيالك وتكلم به في منامك وإذا حدث لك فرح وسرور ببعض أمور الدنيا فاذكر الموت وسرعة الزوال وأصناف المنغصات وإذا أحزنك أمر فاسترجع وإذا اعترتك غفلة فاستغفر واجعل الموت نصب عينك والعلم والتقى زادك في الآخرة وإذا أردت أن تعصي الله فاطلب مكانا لا يراك فيه واعلم أن الناس عيون الله على العبد يريهم خيره وإن أخفاه وشره وأن ستره فباطنه مكشوف لله والله يكشفه لعباده فعليك أن تجعل باطنك خيرا من ظاهرك وسرك أصبح من علانيتك ولا تتألم إذا أعرضت عنك الدنيا فلو عرضت لك لشغلتك عن كسب الفضائل وقلما يتعمق في العلم ذو الثروة إلا أن يكون شريف الهمة جدا أو أن يثري بعد تحصيل العلم وإني لا أقول أن الدنيا تعرض عن طالب العلم بل هو الذي يعرض عنها لأن همته مصروفة إلى العلم فلا يبقى له التفات إلى الدنيا والدنيا إنما تحصل بحرص وفكر في وجوهها فإذا غفل عن أسبابها لم تأته وأيضا فإن طالب العلم تشرف نفسه عن الصنائع الرذلة والمكاسب الدنية وعن أصناف التجارات وعن التذلل لأرباب الدنيا والوقوف على أبوابهم ولبعض إخواني بيت شعر ( من جد في طلب العلوم أفاته * شرف العلوم دناءة التحصيل ) الكامل وجميع طرق مكاسب الدنيا تحتاج إلى فراغ له وحذق فيها وصرف الزمان إليها والمشتغل بالعلم لا يسعه شيء من ذلك وإنما ينتظر أن تأتيه الدنيا بلا سبب وتطلبه من غير أن يطلبها طلب مثلها وهذا ظلم منه وعدوان ولكن إذا تمكن الرجل في العلم وشهر به خطب من كل جهة وعرضت عليه المناصب وجاءته الدنيا صاغرة وأخذها وماء وجهه موفورا وعرضه ودينه مصون واعلم أن للعلم عقبة وعرفا ينادي على صاحبه ونورا وضياء يشرق عليه ويدل عليه كتاجر المسك لا يخفى مكانه ولا تجهل بضاعته وكمن يمشي بمشعل في ليل مدلهم والعالم مع هذا محبوب أينما كان وكيفما كان لا يجد إلا من يميل إليه ويؤثر قربه ويأنس به ويرتاح بمداناته واعلم أن العلوم تغور ثم تفور في زمان بمنزلة النبات أو عيون المياه وتنتقل من قوم إلى قوم ومن صقع إلى صقع

692

نام کتاب : عيون الأنباء في طبقات الأطباء نویسنده : ابن أبي أصيبعة    جلد : 1  صفحه : 692
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست