نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 471
أزهد الناس في الدنيا أصفاهم مطعما . وقال أقصى مقام في الورع أدنى مقام من الزهد . وقد روينا عن يوسف بن أسباط ووكيع رحمهما الله قالا : لو زهد عبد في زماننا هذا حتى يكون كأبي ذر وأبي الدرداء ما سميناه زاهدا لأن الزهد عندنا إنما هو في الحلال المحض ، ولا نعرف الحلال المحض اليوم . وكذلك كان الحسن البصري رحمه الله إمام الأئمة يقول لا شيء أفضل من رفض الدنيا . وقال الفضيل بن ثور قلت للحسن : يا أبا سعيد رجلان يطلب أحدهما الدنيا بحلالها فأصابها فوصل بها رحمه وقدم منها لنفسه ورجل رفض الدنيا . قال : أحبّهما إليّ الذي رفض الدنيا قلت : يا أبا سعيد هذا طلبها بحلالها فأصابها فوصل بها رحمه وقدم منها لنفسه قال : أحبّهما إليّ الذي جانب الدنيا وإنما شرف الحسن الذي رفض الدنيا لأن مقام الزهد يجمع التوكل والرضا ألا تسمع إلى الخبر الذي جاء : الزهد أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك فهذا هو التوكَّل . ثم قال : وأن تكون بثواب المصيبة أفرح منك ولو أنها بقيت لك وهذا هو الرضا . ثم إن المعرفة والمحبة بعد الزهد داخلان عليه فأي مقام أعلى من مقام جمع هذه الأربعة وهي غاية الطالبين . ولعمري أنه هكذا لأنه روي عن ابن عباس رضي الله عنهما حديث فيه شدة قال : يؤتى بالدنيا يوم القيامة في صورة عجوز شمطاء زرقاء أنيابها بادية مشوّه خلقها فتشرف على الخلائق فيقال : أ تعرفون هذه ؟ فيقولون : نعوذ باللَّه تعالى من معرفة هذه . فيقال : هذه الدنيا التي تفاخرتم عليها بها تقاطعتم الأرحام وبها تحاسدتم وتباغضتم واغتررتم . ثم تقذف في جهنم فتنادي أي ربّ أتباعي وأشياعي فيقول الله : ألحقوا بها أتباعها وأشياعها . وقد روينا عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلم حديثا أشد من هذا حدثنا عن عبد الواحد بن زيد عن الحسن عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم : ليجيئن أقوام يوم القيامة وأعمالهم كجبال تهامة فيؤمر بهم إلى النار قالوا : يا رسول الله مصلَّين قال : نعم . كانوا يصلون ويصومون ويأخذون هنّة من الليل فإذا عرض لهم شيء من الدنيا وثبوا عليه . وكذلك كان الحرث بن أسد المحاسبي رحمه الله يقول : إنما الزهد إسقاط قيمة الدنيا من القلب وأن لا يكون لشيء عاجل في القلب وزن . فإذا سقطت قيم الأشياء واستوت في القلب فهو الزهد . فأما أبو يزيد البسطامي رحمه الله فإنه كان يقول ليس الزاهد من لا يملك شيئا إنما الزاهد من لا يملكه شيء وقال عالم مثله في معناه : الزاهد من لا يتملك الأشياء ولم يسكن إليها . وكان يقول : الزاهد قوته ما وجد وثوبه ما ستر وبيته ما أواه وحاله وقته .
471
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 471