نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 444
الطائي رحمه الله تعالى يقول : كلّ ما شغلك عن الله تعالى من أهل أو مال فهو عليك شؤم . وقال أبو سليمان : من تزوّج أو كتب الحديث أو طلب معاشا فقد ركن إلى الدنيا وقرأ قوله تعالى : * ( إِلَّا من أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) * [ الشعراء : 89 ] قال : هو القلب الذي ليس فيه غير الله تعالى . وقال : إنما زهدوا في الدنيا لتفرّغ قلوبهم من همومها للآخرة . وقد قال أويس القرني رحمه الله تعالى : إذا خرج يطلب ذهب الزهد وكان إمامنا وشيخ شيخنا أبو محمد سهل بن عبد الله رحمه الله يقول : أوّل الزهد التوكَّل وأوسطه إظهار القدرة وقال : لا يزهد العبد زهدا حقيقيا لا رجعة بعده إلا بعد مشاهدة قدرة ، فإن أوّل القدرة عندي أن يشهد ما سمع من كلام القادر المزهد إذ يقول تبارك وتعالى : * ( ومِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ في النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ ) * [ الرعد : 17 ] ، فالحلية الذهب والفضة ، وهما قيم الأشياء اللذان ملكا النفوس ونكسا الرؤس فالمتاع ما سواهما من معادن الأرض . فإذا شهد العبد الذهب الذي هو سبب الدنيا ولأجله أشرك من أشرك وبحبائله ارتبك من ارتبك ولوقوع حلاوته في القلب وقع من وقع . فإذا شهد جوهر الذهب والفضة زبدا طافيا على وجه الماء لا نفع فيه ولا غنية به ولا قيمة له زهد فيه حينئذ زهدا صادقا فكان زهده معاينة لا خبرا وكان من المؤمنين حقّا الذين وصفهم الحقّ بالحقّ في قوله تعالى : * ( إِذا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً ) * [ الأنفال : 2 ] فالزهد مزيد الإيمان ثم قال : وعلى ربّهم يتوكَّلون ، فالزهد يدخل في التوكَّل ثم قال : فاتخذه وكيلا واصبر على ما يقولون ، فالتوكل يوقف على الصبر . وكان هذا قد سمع من كلام الله تعالى ففعله فأبلغه الله تعالى مأمنه في المقام الأمين في جنات وعيون ، واستحق وصف الله تعالى بالإيمان إذا تلا القرآن بحقيقة الإيقان فقال عزّ وجلّ : * ( الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ به ) * [ البقرة : 121 ] وذلك أن هذا الزبد تشبيه من الله تعالى لمثل ضربه للحقّ والباطل ، فالمثل هو الماء والزبد فمثل الحقّ في نفعه وبقائه بالماء ، ومثل الباطل في ذهابه وقلة نفعه بالزبد . ثم شبّه الذهب لذهابه عن الحقيقة بالزبد تشبيه مماثلة لا تشبيه مجاز لقوله : زبد مثله . والمماثلة مستقصاة . ثم قال : كذلك يضرب الله الأمثال للذين استجابوا لربهم الحسني أي الجنة والبقاء . وقال تعالى : * ( لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ ) * [ النحل : 60 ] هم المريدون للحياة الدنيا وزينتها ، الراضون المطمئنون بها ، ليس لهم في الآخرة إلا النار . فسبحان من نفد بصره الأبصار . وسبحان مقلب الليل والنهار . وسبحان من كلّ شيء عنده بمقدار ،
444
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 444