responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي    جلد : 1  صفحه : 441


فأنت حريص والحريص محروم ، وإذا حزنت على المفقود فأنت ساخط والساخط معذب ، وإذا سررت بالمدح فأنت معجب والعجب يحبط العمل . وقال الله تعالى : * ( لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ ولا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ ) * [ الحديد : 23 ] أي منها وهذان الوصفان هما أتمّ حال في الزهد من أعطي أحدهما تبعه الآخرة لأن الذي لا يأسى على ما فاته من الدنيا ، هو الذي لا يفرح بما أتاه منها لأنه مثله والذي لا يفرح بما أتاه منها هو الذي لا يحزن على ما فاته ، وهذا وصف عبد غير متملك لملك وسيما عبد قائم بحكم ربّ ونعت عبد موقن محبّ قد شغلته مشاهدة الآخرة عن التفرّغ لمتعة الدنيا وقد فرغته معاينة الآخرة من الاشتغال بما يغني . وفي أحد الوجوه من قوله تعالى : * ( وأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وأَقْنى ) * [ النجم :
48 ] قيل : أغنى أهل الآخرة باللَّه سبحانه وتعالى وأغناهم عن الدنيا بالآخرة وأقنى أهل الدنيا من الدنيا أيّ جعل لهم قنية ومدّخراً وعدة كما وصف من ذمه من قوله تعالى :
* ( جَمَعَ مالًا وعَدَّدَهُ ) * [ الهمزة : 2 ] أي قال هذا عدّة لكذا وهذه عدّة لكذا فهدّده بالويل فحصل من ذلك أن الزاهد في المال عدّته الله تعالى في كل الأحوال وكنزه وذخره وطوبى له وحسن مآب .
وروينا عن النبي صلَّى الله عليه وسلم : أنه قال : كفى باليقين غنى وكفى بالعبادة شغلا وكفى بالموت واعظا ، وهذا جملة وصف الزاهد الموقن ، الذي هو للموت مرتقب مع الخبر المشهور . ليس الغنى عن كثرة العرض إنما الغنى غنى النفس . وقد جعل النبي صلَّى الله عليه وسلم الزهد في الدنيا علما لحقيقة الإيمان وقربه بمشاهدة الإيقان في قوله عليه الصلاة والسلام لحارثة : عرفت فالزم عبد نوّر الله قلبه لما قال أنا مؤمن حقّا قال : وما حقيقة إيمانك .
فابتدأ بالزهد فقال : عزفت نفسي عن الدنيا فاستوى عندي حجرها وذهبها وكأني بالجنة والنار وكأني بعرش ربّي بارزا . وأشدّ من هذا الخبر الآخر الذي جعل النبي الزهد من علامة شرح الصدر بالنور . وهو نور التصديق الذي هو عموم وصف المؤمنين لأنه هو في التحقيق الإسلام . ففسّر قوله تعالى : * ( فَمَنْ يُرِدِ الله أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ ) * [ الأنعام :
125 ] قيل : يا رسول الله ما هذا الشرح ؟ قال : إن النور إذا دخل القلب انشرح له الصدر وانفتح . قيل يا رسول الله هل لذلك من علامة ؟ قال : نعم التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزوله ، فهذا هو الزهد جعله شرطا لحقيقة الإسلام .
وأشد من هذين الخبرين الخبر الثالث الذي فسرّ الحياء من الله تعالى بالزهد في الدنيا فقال : استحيوا من الله تعالى حقّ الحياء قلنا : إنّا لنستحي قال : تبنون ما لا تسكنون وتجمعون ما لا تأكلون . وبمعنى هذا تمّم إيمان الوفد الذي سألهم ما أنتم ؟ فقالوا :

441

نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي    جلد : 1  صفحه : 441
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست