responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي    جلد : 1  صفحه : 416


والإشفاق الزهد . وكان يقول : دخول الخوف على الجاهل يدعوه إلى العلم ، ودخوله على العالم يدعوه إلى الزهد ، ودخوله على العامل يدعوه إلى الإخلاص . وقال أيضا الإخلاص فريضة لا تنال إلا بالخوف ولا ينال الخوف إلا بالزهد فقد صار الخوف يصلح للكافة إذ دخوله على العامة يخرجهم عن الحرام ، ودخوله على الخاصة يدخلهم في الورع والزهد ، لأن من خاف ترك . وقال أيضا : من أحبّ أن يرى خوف الله تعالى في قلبه فلا يأكل إلا حلالا ولا يصلح علم الرجاء إلا للخائف . وقال : الخوف ذكر والمحبة أنثى . ألا ترى أن أكثر النساء يدعون المحبة يريد بهذا أن فضل الخوف على الرجاء كفضل الذكر على الأنثى ، وهذا كما قال لأن الخوف حال العلماء ، والرجاء حال العمّال . وفضل العالم على العابد كفضل القمر على الكواكب .
وروينا عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلم « فضل من علم أحبّ إليّ من فضل من عمل ، وخير دينكم الورع » واعلم أن الخوف عند العلماء على غير ما يتصوّر في أوهام العامة وخلاف ما يعدّونه من القلق والاحتراق أو الوله والانزعاج لأن هذه خطرات وأحوال ومواجيد للوالهين وليست من حقيقة العلم في شيء ، بمنزلة مواجيد بعض الصوفية من العارفين في أحوال المحبة ، من احتراقهم وولههم .
والخوف عند العلماء إنما هو اسم لصحيح العلم وصدق المشاهدة ، فإذا أعطى عبد حقيقة العلم وصدق اليقين سمي هذا خائفا ، فلذلك كان النبي صلَّى الله عليه وسلم من أخوف الخلق ، لأنه كان على حقيقة العلم ومن أشدهم حبا لله تعالى ، لأنه كان في نهاية القرب ، وقد كان حالة السكينة والوقار في المقامين معا ، والتمكين والتثبيت في الأحوال كلها ، ولم يكن وصفه القلق والانزعاج ، ولا الوله والاستهتار ، وقد أعطي أضعاف عقول الخليقة وعلومهم ، ووسع قلبه لهم ، وشرح صدره للصبر عليهم .
فكان صلَّى الله عليه وسلم مع الأعرابي كأنه أعرابي ، ومع الصبي بمعناه ، ومع المرأة في نحوها ، يقاربهم في علومهم ، ويخاطبهم بعقولهم ، ويظهر منه مثل وجدهم ، ليعطيهم نصيبهم من الأنس به ، ويوفيهم حقوقهم من الدرك منه ، ولئلا تعظم هيبته في صدورهم ، فينقطعون عن السؤال له والأنس به حكمة منه ، لا يفطنون لها ورحمة منه قد جبل عليها ، قد ألبس مواجيدهم لبسة ، وأدخل ذلك عليه صبغة ، بغير تكلف ولا تصنع ، تعلم ذلك من الحكيم العليم ، فلذلك وصفه عزّ وجلّ بخلقه ، وتعجب من وصفه فقال تعالى : * ( وإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) * [ القلم : 4 ] قيل على أخلاق الربوبية ، وقرئت بالإضافة ليكون عظم اسم الله

416

نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي    جلد : 1  صفحه : 416
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست