نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 346
نحو الشرود وحبسها على دوام الطاعة وصبرها عن شره الطبع الذي يظهر سوء الأدب بين يدي الربّ سبحانه وتعالى وصبرها على حسن الأدب في المعاملة . ثم يتفرع الصبر إلى معان شتى : من الصبر عن تفاوت الأهواء والصبر على الثبات في خدمة المولى فمن ذلك ما توجب المجاهدة صرف الهمة عنه وتطهير القلب منه من خطرات الهوى ونزعات الأعداء وتزيين الدنيا . ومن الآفات ما يوجب الصبر كفّ الجوارح عنها وحبس النفس عن المشي فيها . ومن الصبر حبس النفس على الحقّ وعكوفها عليه بمعاملة اللسان والقلب والجسم ، وبذلك ، وصف الله تعالى المؤمنين الذين يعملون الصالحات واشتراط لصلاح أعمالهم الصبر وأخبر أن الناس كلهم في خسران إلا من كان من أهل الحق والصبر وعظم الصبر فأفرده بإعادة التواصي به . ومن الصبر حبس النفس على عبادة الخالق سبحانه وتعالى ، وصبرها على القناعة وعلى صنع الرازق . ومن الصبر كفّ الأذى عن الخلق ، وهو مقام العادلين يدخل في قوله تعالى : * ( إِنَّ الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإِحْسانِ ) * [ النحل : 90 ] . ثم احتمال الأذى عن الخلق وهو مقام المحسنين يدخل في قوله : والإحسان . ومن الصبر الصبر على الإنفاق وإعطاء أهل الحقوق حقوقهم الأقرب فالأقرب وهذا مقام المنفقين يدخل في قوله تعالى : * ( وإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى ويَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ والْمُنْكَرِ والْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) * [ النحل : 90 ] ومنه الصبر على الفحشاء وهو الأمر الفاحش في العلم والإيمان والصبر عن المنكر وهو ما أنكره العلماء ، والصبر عن البغي وهو التطاول والغلوّ ومجاوزة الحدّ بالكبر والإسراف في أمور الدنيا . فهذه الآية كلها جامعة لمعنى الصبر وهي قطب القرآن ، ثلاث منها وهي الأول الصبر على العدل والإحسان والإعطاء ، وثلاث منها الصبر عن الفحشاء والمنكر والبغي . وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول : أجمع آية في كتاب الله عزّ وجلّ لأمر ونهي هذه الآية . وقال الله تعالى : * ( ونِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ ) * [ آل عمران : 136 ] الذين صبروا فما أنعم أجرهم حتى وصفهم بالصبر وما أكرم رزقهم ووصفهم حتى مدحهم بالصبر ، والصبر يحتاج إليه قبل العلم ، ومعه وبعده ، يحتاج في أول العمل أن يصبر على تصحيح النّية وعزم العقود والوفاء بها حتى تصحّ الأعمال لأن النبيّ عليه السلام قال : إنما الأعمال بالنيات ولكلّ امرئ ما نوى . وقال الله تعالى : * ( وما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) * [ البينة : 5 ] . وحقيقة النيّة الإخلاص ولأن الله تعالى قدّم الصبر على العمل فقال تعالى : * ( إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وأَجْرٌ كَبِيرٌ ) * [ هود : 11 ] . والصبر : التأني في العمل حتى يتم ويعمل لقوله تعالى : * ( ونِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ ) * [ آل عمران : 136 ]
346
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 346