نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 196
واستسلموا وسلموا قلوبكم ونفوسكم وأموالكم في طاعته وعبادته : * ( واتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ من رَبِّكُمْ ) * [ الزمر : 55 ] ، أي اتبعوا العزائم من الأمور والفواضل من الأعمال فهو أحسن من الرخص والمباحات مثل الزهد والورع والخوف والإيقان فهذا من أحسن ما أنزل إلينا من ربنا ثم قال تعالى : * ( أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتي عَلى ما فَرَّطْتُ في جَنْبِ الله ) * [ الزمر : 56 ] ، فلما طال الكلام وأضمر معطوفه وبعد عاطفه للاختصار أشكل فهمه . وفي القرآن ما هو أشد اختصارا وأبعد من هذا إضمارا كقوله تعالى : * ( فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ ) * [ التين : 7 ] ، المعنى : فما الذي يحملك على التكذيب أيها الإنسان الذي خلقناه في أحسن تقويم بعد هذا البيان والبرهان بالدين بالغائبات والكائنات من أمور الدين والحسنات والجزاء ثم أحكم ذلك بردّه إليه فقال : * ( أَ لَيْسَ الله بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ ) * [ التين : 8 ] وكذلك قوله : * ( ولا تَنْسَ نَصِيبَكَ من الدُّنْيا ) * [ القصص : 77 ] ، المعنى : لا تترك أن تعمل في الدنيا بأيامك هذه فتدرك نصيبك غدا من الآخرة في الدنيا فإنك لا تدركه إلا فيها ثم أحكمه بقوله : * ( وأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ ) * [ القصص : 77 ] ، أي أحسن إلى نفسك وإلى إخوانك الفقراء كالذي أحسن إليك به من المال والغنى ، فبذلك تدرك نصيبك من الدنيا في الآخرة . ثم أخبر الله سبحانه الكل وحذرهم فقال : * ( حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها ) * [ الأنعام : 31 ] ، أي : يا ندامتنا على ما ضيعنا في الدنيا وفاتنا في الآخرة . وفي الخبر : لا يموت أحد إلا بحسرة وندامة إن كان مسيئا كيف لم يحسن وإن كان محسنا كيف لم يزدد وذلك أن الله تعالى جعل أهل السلامة والنجاة طبقتين بعضهم أعلى من بعض وجعل أهل الهلكة طبقة واحدة بعضهم أسفل من بعض فكان صاحب الشمال يتحسر كيف لم يكن من أصحاب اليمين لقوله تعالى : * ( كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ . إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ ) * [ المدثر : 38 - 39 ] وصاحب اليمين يتحسر كيف لم يكن من المقربين والصالح من المقربين يتمنّى أن يكون من الشهداء والشهيد يودّ أنه من الصديقين فهو يوم الحسرة الذي أنذر به أهل الغفلة فكيف بهم في ذلك اليوم إذا كانوا اليوم أمواتا ولم يكن له حسنة فإني لهم النذارة والتذكرة كما قال : * ( وأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وهُمْ في غَفْلَةٍ ) * [ مريم : 39 ] . وقد قال : * ( لِيُنْذِرَ من كانَ حَيًّا ) * [ يس : 70 ] . كما قال : * ( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ من يَخْشاها ) * [ النازعات : 45 ] : * ( إِنَّما تُنْذِرُ من اتَّبَعَ الذِّكْرَ وخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ ) * ، وقال تعالى : * ( فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) * [ ق : 22 ] ، يعني إلى ما قدمت وقيل حديد إلى لسان الميزان تخاف النقصان وقال تعالى : * ( وجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ) * [ ق : 19 ] قيل
196
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي جلد : 1 صفحه : 196