responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي    جلد : 1  صفحه : 158


شربته وأن الله غفر لي . قالت : ولم ؟ قال : لا أحب أن أنال مغفرته بمعصيته . فجملة وصف النفس معنيان ، الطيش والشره . فالطيش عن الجهل والشره عن الحرص ، وهما فطرة النفس فمثلها في الطيش كمثل كرة أو جوزة في مكان أملس مصوّب سكونها بالمنة فإن أشرت إليها أو حركتها أدنى حركة تحركت بوصفها وهو خفتها واستدارتها وصورتها في الشره المتولدة من الحرص . إنها على صورة الفراشة إنها تقع في النار جاهلة شرهة تطلب بجهلها الضوء وفيه هلاكها فإذا وصلت إلى شيء منه لم تقتنع بيسيره لشرهها فتحرص على الغاية منه وتطلب عين الضوء وجملته وهو نفس المصباح فتحرق ، ولو قنعت بقليل الضوء عن بعد سلمت فكذلك النفس في طيشها الذي يتولد من العجلة وفي شرهها الذي ينتج من الحرص والطمع . والحرص والطمع هما اللذان كانا سبب إخراج آدم عليه السلام من الجنة لأنه طمع في الخلود فحرص على الأكل وكان ذلك عن الجهل . فكانت معصيته سبب عمارة الدنيا فصارت الطاعة سبب عمارة الآخرة ، فلذلك قيل : حب الدنيا رأس كل خطيئة فصار الزهد أصل كل طاعة . فانظر كيف أخرج من الجنة بعد أن جعل فيها بذنب واحد وأنت تريد أن تدخلها ولم تملك النظر إليها بذنوب كثيرة . وفي الحديث الآخر :
الإيمان عريان فلباسه التقوى وزينته الحياء وثمرته العلم ، من ثم قيل : إن الجنة طيبة لا يسكنها إلا الطيب فمتى طابوا لها دخلوها . ألم تسمع إلى وفاته بين ذلك في قوله تعالى : * ( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ) * . [ النحل : 32 ] . وقال تعالى : * ( وقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ ) * . [ الزمر : 73 ] لأنه قال : * ( ومَساكِنَ طَيِّبَةً في جَنَّاتِ عَدْنٍ ) * [ التوبة : 72 ] والذنوب خبائث كما قال :
* ( ويُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ ) * [ الأعراف : 157 ] فلما طابوا لها طابت لهم وقد أجمل ذلك بقوله تعالى : * ( الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ ) * [ النور : 26 ] وبقوله : * ( والطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ ) * [ النور : 26 ] . وقد مثل بعضهم النفس في شرهها بمثل ذباب مرّ على رغيف عليه عسل فوقع فيه يطلب الكلية فعلق بجناحه فقتله وآخر مر به فدنا من بعضه فنال حاجته فرجع إلى ورائه سالما وقد مثل بعض الحكماء ابن آدم مثل دود القز لا يزال ينسج على نفسه لجهله حتى لا يكون له مخلص فيقتل نفسه ويصير القز لغيره وربما قتلوه إذا فرغ من نسيجه لأن القز يلتف عليه فيروم الخروج منه فيشمس وربما غمزوه بالأيدي حتى يموت لئلا يقطع القز وليخرج القز صحيحا ، فهذه صورة المكتسب الجاهل الذي أهلكه أهله وماله فتنعم ورثته بما شقي به فإن أطاعوا به كان أجره لهم وحسابه عليه وإن عصوا به كان شريكهم في المعصية لأنه أكسبهم إياها به فلا يدري أي الحسرتين عليه أعظم إذهابه عمره لغيره أو

158

نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي    جلد : 1  صفحه : 158
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست