responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي    جلد : 1  صفحه : 153


قلوبهم وأحوالهم بالأوراد فيعرفون النقصان والمزيد منها ولا تجتمع قلوبهم بسبب ولا تقوى نفوسهم بطلب فتتشتت لفقد سبب ويضعف يقينهم لطلب هذه المعاني هي أحوال المريدين وجملة تغييرهم في شيئين : ضيقهم بالخالق فهربوا منه ، واتساعهم بالخلق فاستراحوا إليه . ولو دام قربهم منه لدامت راحتهم به ولو وقفت شهادتهم عليه لما نظروا إلى سواه . وأما العارفون فقد فرغ لهم من قلوبهم واجتمعت المتفرقات بمجامعها لهم وأقامهم القائم لهم بشهادتهم له فلهم بكل شيء مزيد ومن كل شيء توحيد ، كل خاطر بهم يردهم إليه وكل منظور إليه يدلهم عليه وكل نظرة وحركة طريق لهم إليه . فتوحيدهم في مزيد ويقينهم في تجديد بغير تغيير ولا تصريد ولا إيقاف ولا تحديد ، ولربما طلب أحدهم التسبب بالأسباب فيجمعه بها رب الأرباب لأنه مراد بالاجتماع وإنما استروح بالشتات لاستجمام ما هو في قلبه آت ثقة منه بحبيبه وتمكنا عند محبوبه إذ قد علم أنه طالب فطرح نفسه ليحمله فحمله بما تولاه ولم يكله إلى نفسه وهواه . فهذه مقامات لأهلها لا يعرفها سواهم ولا تصلح إلَّا لهم ولا تليق إلَّا بهم ولا يقاس عليها ولا يدعى مكانها ولا تنتظر فتترك لها الأوراد ولا تتوقع فيقصر لأجلها في الاجتهاد والمرادون بها محمولون بها مواجهون بعلمها مسلوك بهم طريقها مزوّدون زادها وهي محبوسة عليهم مقصورة لهم فهم لها سابقون . فأولياء الله عابدوه وقد عكفوا بقلوبهم لمن عبدوه ونظروا إلى معبودهم الذي عكفوا عليه ففهموا عنه فصل الخطاب بما آتاهم من شهادة حكمه حكم الكتاب إذ يقول :
* ( وانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً ) * [ طه : 97 ] بعد قوله للغافلين فصيرهم معرضا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين مع قوله : * ( أَنِ امْشُوا واصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ ) * [ ص : 6 ] . إن هذا الشيء يراد إلى قوله : * ( واصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا ) * [ الطور : 48 ] . فعلموا أن الإخلاص الذي أمروا به هو العبادة ولا عبادة إلا بمجانبة الهوى وبعدها الإنابة إلى المولى .
أما سمعت قوله عزّ وجلّ : * ( والَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وأَنابُوا إِلَى الله لَهُمُ الْبُشْرى ) * [ الزمر : 17 ] وأيقنوا أن الصلاة عماد الدين ولا صلاة إلا للمتقين ولا تقوى إلا بإنابة . كما قال تعالى : * ( مُنِيبِينَ إِلَيْهِ واتَّقُوهُ ) * [ الروم : 31 ] ثم قال : * ( وأَقِيمُوا الصَّلاةَ ولا تَكُونُوا من الْمُشْرِكِينَ ) * [ الروم : 31 ] فهذه عبادة العارفين على سنة النبيين فإنابتهم مشاهدتهم لمذكورهم كقوله في وصف ضدهم : * ( كانَتْ أَعْيُنُهُمْ في غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي ) * [ الكهف : 101 ] فهم عن كشف من ذكره إذ كانوا بضد وصفهم وحقيقة ذكرهم نسيانهم لسوى مذكورهم بمعنى قوله : * ( واذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ ) * [ الكهف : 24 ] فأخرجهم الذكر له إلى الفرار إليه كما فهموا عنه إذ يقول : * ( لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) * [ الأنعام : 152 ] ففروا إلى

153

نام کتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد نویسنده : أبي طالب المكي    جلد : 1  صفحه : 153
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست