الكل ومبدؤه ، ويفيض نور الوحدة على كل موجود بقدر استعداده كما يفيض عليه نور الوجود كذلك ، فكل وحدة من الوحدات جوهرية كانت أو خلقية أو فعلية أو عددية أو مزاجية ، فهو ظل من وحدته الحقة ، وكلما كان أقرب إليها يكون أشرف وجودا ، ولولا الاعتدال والوحدة العرضية التي هي ظل الوحدة الحقيقية لم تتم دائرة الوجود ، لأن تولد المواليد من العناصر الأربعة يتوقف على حصول الاتحاد والاعتدال ، وتعلق النفس الربانية بالبدن إنما هو لحصول نسبة الاعتدال ، ولذا يزول تعلقها به بزوالها ، بل النفس عاشقة لتلك النسبة الشريفة أينما وجدت . والتحقيق أنها معنى وحداني يختلف باختلاف محالها ، فهي في الأجزاء العنصرية الممتزجة اعتدال مزاجي ، وفي الأعضاء حسن ظاهري ، وفي الكلام فصاحة ، وفي الملكات النفسية عدالة ، وفي الحركات غنج ودلال ، وفي النغمات أبعاد شريفة لذيذة والنفس عاشقة لهذا المعنى في أي مظهر ظهر ، وبأي صورة تجلى ، وبأي لباس تلبس . فإني أحب الحسن حيث وجدته * وللحسن في وجه الملاح مواقع والكثرة والقلة والنقصان والزيادة تفسد الأشياء إذا لم تكن بينها مناسبة يحفظ عليها الاعتدال والوحدة بوجد ما ، وفي هذا المقام تفوح نفحات قدسية تهتز بها نفوس أهل الجذبة والشوق ، ويتعطر منها مشام أصحاب التأله والذوق ، فتعرض لها إن كنت أهلا لذلك . وإذا عرفت شرف العدالة وإيجابها للعمل بالمساواة ، ورد كل ناقص وزائد إلى الوسط ، فاعلم : أنها إما متعلقة بالأخلاق والأفعال ، أو بالكرامات وقسمة الأموال ، أو بالمعاملات والمعارضات ، أو بالأحكام والسياسات . والعادل في كل واحد من هذه الأمور ما يحدث التساوي فيه برد الإفراط والتفريط إلى الوسط ، ولا ريب في أنه مشروط بالعلم بطبيعة الوسط ، حتى يمكن رد الطرفين إليه ، وهذا العلم في غاية الصعوبة ، ولا يتيسر إلا بالرجوع إلى ميزان معرف للأوساط في جميع الأشياء ، وما هو إلا ميزان الشريعة الإلهية الصادرة عن منبع الوحدة الحقة الحقيقية ، فإنها هي المعرفة للأوساط في جميع الأشياء على ما ينبغي ، والمتضمنة لبيان تفاصيل جميع مراتب الحكمة