ولما فرغ هذا الشيخ من التحصيل في كربلا ، رجع إلى بلاده واستقام في كاشان . وهناك أسس له مركزا علميا تشد إليه الرحال ، بعد أن كانت كاشان مقفرة من العلم والعلماء . واستمرت بعده على ذلك مركزا من مراكز العلم في إيران ، وليس لدينا ما يشير إلى تأريخ انتقاله إلى كاشان . ورجع إلى العراق ، وتوفى في النجف الأشرف ودفن فيها . والظاهر أن مجيئه هذا - وكان معه ولده - بعد أستاذه الوحيد ، جاء لزيارة المشاهد المقدسة فتوفي . أما ولده فقد بقي بعده ليدرس العلم على أعلامه يومئذ ، كبحر العلوم ، وكاشف الغطاء . عصره يمضي القرن الثاني عشر للهجرة على العتبات المقدسة في العراق ، بل على أكثر المدن الشيعية في إيران التي فيها مركز الدراسة الدينية العالية - كأصفهان وشيراز وخراسان - وتطغى فيه ظاهرتان غريبتان على السلوك الديني : الأولى : النزعة الصوفية التي جرت إلى مغالاة فرقة الكشفية . والثانية : النزعة الإخبارية . وهذه الأخيرة خاصة ظهرت في ذلك القرن قوية مسيطرة على التفكير الدراسي ، وتدعو إلى نفسها بصراحة لا هوادة فيها ، حتى أن الطالب الديني في مدينة كربلا خاصة أصبح يجاهر بتطرفه ويغالي ، فلا يحمل مؤلفات العلماء الأصوليين إلا بمنديل ، خشية أن تنجس يده من ملامسة حتى جلدها الجاف . وكربلا يومئذ أكبر مركز علمي للبلاد الشيعية . وفي الحقيقة أن هذا القرن يمر والروح العلمية فاترة إلى حد بعيد ، حتى أنه بعد الشيخ المجلسي صاحب البحار المتوفى في أول هذا القرن عام 1110 . لم تجد واحدا من الفقهاء الأصوليين من يلمع اسمه ويستحق أن يجعل في الطبقة الأولى ، أو تكون له الرئاسة العامة ، إلا من ظهر في أواخر القرن ، كالشيخ الفتوني الجليل في النجف المتوفى 1183 ، ثم الشيخ آقا الوحيد البهبهاني في كربلا المتوفى 1802 ، الذي تم على يديه تحول العلم إلى ناحية جديدة من التحقيق .