وجده البعيد تراب ذليل ، وقد عرفه الله نسبه فقال : " وبدأ خلق الإنسان من طين . ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين " [59] . والأصل الذي يوطأ بالأقدام أو تغسل منه الأجسام أي رفعه يكون لفرعه ! الثالث - أن يعلم إن من يعجب بهم بالانتساب من أسلافه ، إن كانوا من أهل الديانة والخصال المرضية والشرافة الحقيقية ، فظاهر أنه ما كان من أخلاقهم العجب ، بل الذلة والإزراء على النفس ومذمتها واستعظام الخلق ، فإن اقتدى بهم في أخلاقهم فلا يليق به العجب والتعزز ، وإلا كان طاعنا في نسبه بلسان حاله . وإن لم يكونوا من أهل الديانة الواقعية والشرافة العلمية والعملية بل كان لهم مجرد شوكة ظاهرية ، كالسلاطين الظلمة وأعوانهم ، فأف لمن يفتخر بهم ويعجب بنفسه لأجلهم ! إذ الانتساب إلى الكلاب والخنازير أحسن من الانتساب إليهم ، كيف وإنهم ممقوتون عند الله معذبون في النار ، بحيث لو نظر إلى صورهم في النار وما لحقهم فيها من النتن والقذارة ، لاستنكف منهم وتبرأ من الانتساب إليهم . ولذلك قال ( ص ) : " ليدعن قوم الفخر بآبائهم وقد صاروا فحما في جهنم ، أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدوف بآنافهم القذر " وروي : أنه افتخر رجلان عند موسى ( ع ) ، فقال أحدهما : أنا فلان بن فلان ، حتى عد تسعة ، فأوحى الله تعالى إلى موسى : " قل للذي افتخر : بل التسعة من أهل النار وأنت عاشرهم ! " . وأما ( العجب بالجمال ) : فعلاجه أن يعلم أنه في معرض الزوال بالعلل والآلام والأمراض والأسقام ، وأي عاقل يعجب بشئ تزيله حمى يوم أو قرحة أو جدري ! بر مال وجمال خويشتن غره مشو كآن را بشبى برند وأين رابه تبى [60] ولو لم يرتفع بها ، فهل يشك عاقل زواله بذهاب الشباب ومجئ الشيب وبالموت الذي لا بد أن تذوقه كل نفس ؟ فانظر إلى الوجوه الجميلة والأبدان الناعمة ، كيف تمزقت في التراب وأنتنت في القبور ، بحيث استقذرتها الطباع . على أنه لو نظر نظر العقلاء في باطنه عند اتصافه بغاية جماله ، لرأى
[59] السجدة ، الآية : 7 - 8 . [60] معنى البيت : لا تغتر بمالك وجمالك ، فإن ذلك يذهب بليلة وهذا بحمى واحدة ) .