الألف والعادة ، وجميع ما ألفه الإنسان في عمره يعود ذكره في قلبه عند موته ، فإن كان أكثر ميله إلى الطاعات كان أكثر ما يحضره عند الموت طاعة الله ، وإن كان أكثر ميله إلى المعاصي غلب ذكرها على قلبه عنده ، وإن كان أكثر شغله السخرية والاستهزاء والمزاح وأمثال ذلك كان الغالب عند الموت ذلك ، وهكذا الحال في جميع الأشغال والأعمال الغالبة في عمره ، فإنها تغلب على قلبه عند موته ، فربما يقبض روحه عند غلبة شهوة من شهوات الدنيا ومعصية من المعاصي ، فيعتقد بها قلبه ، ويصير محجوبا عن الله تعالى . وهو المراد بالختم على السوء . فالذي غلبت عليه المعاصي والشهوات ، وكان قلبه أميل إليها منه إلى الطاعة ، فهذا الخطر قريب في حقه ، ولا يميل إليها أصلا ، فهو بعيد منه جدا . ومن غلبت عليه الطاعات ولم يقارف المعاصي إلا نادرا ، فلعل الراجح في حقه النجاة منه ، وإن أمكن حصوله . ومن لم يغلب شئ من طاعاته ومعاصيه على الآخر فأمره في هذا الخطر إلى الله ، ولا يمكن لنا الحكم بشئ من القرب والبعد في حقه . والسر في ذلك : أن الغشية المتقدمة على الموت شبيهة بالنوم ، فكما إن الإنسان يرى في منامه جملة من الأحوال التي عهدها طول عمره وألفها ، حتى أنه لا يرى في منامه إلا ما يماثل مشاهداته في اليقظة ، وحتى أن المراهق الذي يحتلم لا يرى صورة الوقاع ، فكذلك حاله عند سكرات الموت وما يتقدمه من الغشية ، لكونه شبيها بالنوم وإن كان فوقه ، فيقتضي ذلك تذكر المألوفات وعودها إلى القلب ، فربما يكون غلبة الألف سببا لأن تتمثل صورة فاحشة في قلبه وتميل نفسه إليها وتقبض عليها روحه ، ويكون ذلك سبب سوء خاتمته ، وإن كان أصل الإيمان باقيا بحيث يرجى له الخلاص منها بعناية الله وفضله . وكما إن ما يخطر بالبال في اليقظة إنما يخطر بسبب خاص لا يعلمه بحقيقته أحد إلا الله ، فكذلك ما يرى في آحاد المنامات وما يختلج في القلب عند سكرات الموت له أسباب عند الله لا نعرف بعضها ، وربما تتمكن من معرفة بعضه ، فإنا نعلم أن الخاطر ينتقل من الشئ إلى ما يناسبه ، أما بالمشابهة ، بأن ينظر إلى جميل فيتذكر جميلا آخر ، وأما بالمضادة ، بأن ينظر إلى جميل فيتذكر قبيحا ، وأما بالمقارنة ، بأن ينظر إلى