الشمس ، مع ما فيه من أفلاك الزهرة وعطارد والقمر والعناصر الأربعة ، ثم أصغر كوكب تراه في السماء هو مثل جميع الأرض ثماني مرات ، وأكبرها ينتهي إلى قريب من مائة وعشرين مثلا للأرض . ثم انظر مع هذا العظم إلى سرعة حركتها وخفتها ، فإن شدة سرعة حركتها مما لا يمكن دركها ، إلا أنك لا تشك في أن كل جزء من الفلك في لحظة يسيرة يسير مقدار عرض كوكب ، والزمان من طلوع أول جزء من كوكب إلى تمامه في غاية القلة . وقد علمت أن هذا الكوكب إما مثل الأرض مائة ونيف وستين مرة أو أكثر أو مائة وعشرين مرة أو مائة مرة ، والأقل قدرا أن يكون مثلها ثماني مرات ، فقد دار كل جزء من الفلك في هذه اللحظة مثل الأرض مائة وسبعين مرة أو مائة وعشرين مرة . وقد عبر روح الأمين عليه السلام عن سرعة حركة الفلك ، إذ قال سيد الرسل - صلى الله عليه وآله وسلم - : " هل زالت الشمس ؟ " قال : لا . نعم ! فقال له : " كيف تقول لا . نعم ! " فقال : من حيث قلت : لا ، إلى أن قلت نعم ، سارت الشمس مسيرة خمسمائة عام . فتيقظ - يا أخي - من نوم الطبيعة ، وتأمل من الذي حرك هذه الأجسام الثقيلة العظيمة بهذه الحركة السريعة الخفيفة ، وأدخل صورتها مع اتساع أكنافها في حدقة العين يصغرها ، وتفكر من ذا الذي سخرها وأدار رحاها ، فقل : ( بسم الله مجريها ومرسيها ) ، ولو نظرت إليها بعين البصيرة لعلمت أنها عباد طائعون خاضعون ، وعشاق إلهيون والهون ، وبإشارة من ربهم إلى يوم القيامة رقاصون دائرون . وبالجملة : لو نظرت بعين العبرة في ذرات الوجود لا تجد ذرة من ملكوت السماوات والأرض إلا وفيها غرائب حكمة يكل البيان عن وصفها ، ولو كان لك قلب وألقيت السمع وأنت شهيد ، لعلمت أن جميع ذرات الكائنات شواهد ظاهرة وآيات متظافرة على عظمة ربك الأعلى ، وما من ذرة إلا وهي بلسان حالها ناطقة وعن جلالة بارئها مفصحة ، قائلة لأصحاب الشهود بحركاتها وسكناتها ، ومنادية لأرباب القلوب بنغماتها : أوما تنظرون إلى خلقي وتكويني وتصويري وتركيبي واختلاف صفاتي وحالاتي وتحولي