وبالجملة : كل شخص من الحيوان أودع فيه من العجائب ما لا يمكن وصفه ، وكل أحد إنما يدرك قدر ما يصل إليه فهمه . ثم انتقل من عالم الأرض إلى ( عالم البحر ) وعجائبه من الحيوانات والجواهر والنفائس ، فإن العجائب المودعة فيه أضعاف عجائب الأرض ، كما أن سعته أضعاف سعته ، وكل حيوان يوجد في الأرض يوجد فيه ، وفيه حيوانات أخر ليس لها نظير في البر أصلا ، وقد يوجد فيه من الحيوانات ما عظمه بقدر جزيرة عظيمة ، وكثيرا ما ينزل الركبان عليه فيتحرك . ومن عجائبه خلق اللؤلؤ في صدفة تحت الماء ، وإنبات المرجان من صم الصخور تحته ، مع كونه على هيئة شجرة ثابتة نامية . . . وقس عليه الغير وسائر النفائس التي يقذفها البحر وتستخرج منه . وبالجملة : عجائب البحر أضعاف عجائب البر ، وقد صنف جماعة فيها مجلدات من الكتب ، ومع ذلك لم يأتوا إلا باليسير ، ولم يذكروا إلا قليلا من كثير . ثم انتقل إلى ( عالم الجو ) وعجائبه من السحب والغيوم والأمطار والثلوج والشهب والبروق والصواعق والرعود ، فانظر إلى السحاب الخفيف مع رخاوته كيف يحمل الماء الثقيل ويسكن في جو صاف لا يتحرك إلا أن يأذن الله سبحانه في إرساله الماء ، وتقطيع القطرات كل قطرة بالقدر الذي شاء وأراد ، فينزل قطرات متفاصلة لا تدرك قطرة منها أخرى ، ولا يتقدم المتأخر ولا يتأخر المتقدم ، حتى يصيب الأرض قطرة قطرة ، وعين كل قطرة لجزء من الأرض أو قوتا لحيوان معين ، ولو كنت - يا حبيبي - ذا قلب لشاهدت في كل قطرة خطا إلهيا مكتوبا بقلم إلهي : إنه يصيب الجزء الفلاني من الأرض ، أو رزق للحيوان الفلاني في الموضع الفلاني . * * * ثم ارفع رأسك إلى هذا ( السقف الأخضر ) قائلا : سبحانك ! ما خلقت هذا باطلا . وانظر إلى هذه الأجرام النورية وعجائبها ، واصرف برهة من وقتك في الفحص عن حقائق غرائبها : من الشمس وإضاءتها عالم الأكوان ، والقمر واختلاف تشكلاته في الزيادة والنقصان ، وسائر الأنجم الدائرة ، والكواكب الثابتة والسائرة ، واختلاف صورها وأشكالها ومقاديرها