فثبت بالقول الثابت ونودي من وراء سرادقات الحضرة : " لا يسأل عما يفعل وهم يسألون " [35] . فغشيته دهشة الحضرة ، فخر صعقا في غشيته مدة ، فلما أفاق قال : " سبحانك ! ما أعظم شأنك وأعز سلطانك ، تبت إليك وتوكلت عليك ، وآمنت بأنك الملك الجبار الواحد القهار ، فلا أخاف غيرك ولا أرجو سواك ، ولا أعوذ إلا بعفوك من عقابك ، وبرضاك من سخطك ، وما لي إلا أن أسألك وأتضرع إليك ، وأقول : ( إشرح في صدري ) لأعرفك ، ( واحلل عقدة من لساني ) 36 ) لاثني عليك . فنودي من وراء الحجاب : " إياك أن تطمع في الثناء ، فإن سيدا الأنبياء - صلى الله عليه وآله وسلم - ما زاد في هذه الحضرة على أن قال : ( سبحانك لا أثني ثناء عليك كما أنت أثنيت على نفسك ) . وإياك أن تطمع في المعرفة ، فإن سيد الأوصياء قال : ( العجز عن درك الإدراك إدراك ، والفحص عن سر ذات السر إشراك ) . فيكفيك نصيبا من حضرتنا أنك عاجز عن ملاحظة جلالنا وجمالنا ، وقاصر عن إدراك دقائق حكمنا وأفعالنا " . فعند هذا رجع السائل السالك ، واعتذر عن أسئلته ومعاتبته ، وقال للقدرة واليمين والقلم والعلم والإرادة والقدرة وما بعدها : " أقبلوا عذري فإني كنت غريبا جديد العهد بالدخول في هذه البلاد . والآن قد صح عندي عذركم وانكشف لي أن المتفرد بالملك والملكوت والعزة والجبروت هو الواحد القهار ، وما أنتم إلا مسخرون تحت قهره وقدرته ، مرددون في قبضته ، وهو الأول بالإضافة إلى الوجود ، إذ صدر منه الكل على ترتيبه واحدا بعد واحد ، وهو الآخر بالإضافة إلى سير المسافرين إليه ، فإنهم لا يزالون مترقين من منزل إلى منزل إلى أن يقع الانتهاء إلى حضرته ، فهو أول في الوجود وآخر في المشاهدة ، وهو الظاهر بالإضافة إلى من يطلبه بالسراج الذي اشتعل في قلبه بالبصيرة الباطنة النافذة في عالم الملكوت ، وهو الباطن