بعض الصور يطلب صورة الأم أو الظئر [19] ، وجميع ذلك متعلق بالقوة الشهوية . ونهاية هذه القوة وكمالها أن يتم ما يتعلق بالشخص من الأمور الشهوية وينبعث منه الميل إلى استبقاء النوع ، فيحدث ميل النكاح والوقاح . ثم تظهر فيه آثار القوة الغضبية حتى يدفع عن نفسه ما يؤذيه ولو بالاستعانة بغيره . وغاية كمال هذه القوة حصول التمكن من حفظ الشخص والإقدام على حفظ النوع ، فيحدث فيه الميل إلى ما يحصل به التفوق من أصناف الرئاسات والكرامات . ثم تظهر فيه آثار قوة التمييز وتتزايد إلى أن يتمكن من تعقل الكليات . وهنا يتم ما يتعلق بالطبيعة من التدبير والتكميل ، ويكون ابتداء التكميل الصناعي ، فلو لم يحصل الاستكمال بالكسب والصناعة بقي على هذه الحالة ، ولم يبلغ إلى الكمال الحقيقي الذي خلق الإنسان لأجله ، لأنه لم يخلق أحد مجبولا على الإنصاف بجميع الفضائل الخلقية إلا من أيد من عند الله بالنفس القدسية ، وإن كان بعض الناس أكثر استعدادا لتحصيل بعض الكمالات من بعض آخر ، فلا بد لجل الأنام في تكميل نفوسهم من الكسب والاستعلام . فظهر مما ذكر : إن الطبيعة تولد أولا قوة الشهوة ، ثم قوة الغضب ، ثم قوة التمييز ، فيجب أن يقتدى به في التكميل الصناعي ، فيهذب أولا القوة الأولى ليكتسب العفة ، ثم الثانية ليتصف بالشجاعة ، ثم الثالثة ليتحلى بالحكمة ، فمن حصل بعض الفضائل على الترتيب الحكمي كان تحصيل الباقي له في غاية السهولة ، ومن حصله لا على الترتيب ، فلا يظن أن تحصيل الباقي حينئذ متعذر بل هو ممكن ، وإن كان أصعب بالنسبة إلى تحصيله بالترتيب ، فإن عدم الترتيب يوجب عسر الحصول لا تعذره ، كما إن الترتيب يوجب يسره لا مجرد إمكانه . فلا يترك السعي والجد في كل حال ولا ييأس من رحمة الله الواهب المتعال ، وليشمر ذيل الهمة على منطقة الطلب حتى ييسر الله له الوصول إلى ما هو المقصد والمطلب . ثم الفضيلة إن كانت حاصلة لزم السعي في حفظها وإبقائها ، وإن لم تكن حاصلة بل كان ضدها حاصلا وجب تحصيلها بإزالة الضد . ولذا كان فن الأخلاق على قسمين : ( أحدهما ) راجع إلى حفظ الفضائل ، ( وثانيهما )