نام کتاب : الخير والبركة في الكتاب والسنة نویسنده : محمد الريشهري جلد : 1 صفحه : 29
لأنّهما لا يحيطان بجميع المصالح والمفاسد ، بل أكثر من ذلك ، فقد يظنّ الإنسان أنّ أمراً ما هو " خير " نتيجة أُلفته به ، كما قد يحسب أنّ أمراً آخر هو " شرّ " لغياب الآصرة التي تربطه به ، والحقيقة غير ذلك . لهذا يحذّر القرآن من هذه الحالة بقوله : ( وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ) . ( 1 ) كما قوله : ( فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ) . ( 2 ) بتعبير آخر : إنّ الإحساس المؤقّت الذي يساور الإنسان فيجعله يرتاح إلى شيء ويأنس به أو ينفر منه ولا يألفه ، لا يعدّ بذاته مقياساً في أن يكون ذلك الشيء خيراً أو شرّاً ، بل يكمُن الملاك في الخير والشرّ والمعيار فيه من خلال دور ذلك الشيء في تحقيق الراحة الدائمة للإنسان وضمان سعادته على المدى البعيد . لذلك جاء عن الإمام عليّ ( عليه السلام ) قوله : " ما شَرٌّ بِشَرٍّ بَعدَهُ الجَنَّةُ ، وما خَيرٌ بِخَير بَعدَهُ النّارُ ، وكُلُّ نَعيم دونَ الجَنَّةِ مَحقورٌ ، وكُلُّ بَلاء دونَ النّارِ عافِيَةٌ " . ( 3 ) على هذا الأساس ، يحتاج العقل والفطرة إلى الوحي ؛ بغية تشخيصهما الخير والشرّ على نحو تام وفي جميع الموارد . فالوحي - بوصفه مبدأ يحيط بجميع المصالح والمفاسد - بمقدوره أن يعرض أكمل برنامج حياتي ينهض بتأمين السعادة الدائمة للإنسان . يقول الإمام عليّ ( عليه السلام ) في هذا المضمار :