اللهِ أنَّ المُتَّقينَ ذَهَبوا بِعاجِلِ الدُّنيا وآجِلِ الآخِرَةِ ؛ فَشارَكوا أهلَ الدُّنيا في دُنياهُم ، ولَم يُشارِكوا أهلَ الدُّنيا في آخِرَتِهِم . سَكَنُوا الدُّنيا بِأَفضَلِ ما سُكِنَت ، وأكَلوها بِأَفضَلِ ما اُكِلَت ؛ فَحَظوا مِنَ الدُّنيا بِما حَظِيَ بِهِ المُترَفونَ ، وأخَذوا مِنها ما أخَذَهُ الجَبابِرَةُ المُتَكَبِّرونَ ، ثُمَّ انقَلَبوا عَنها بِالزّادِ المُبَلِّغِ وَالمَتجَرِ الرّابِحِ . أصابوا لَذَّةَ زُهدِ الدُّنيا في دُنياهُم ، وتَيَقَّنوا أنَّهُم جيرانُ اللهِ غَداً في آخِرَتِهِم . لا تُرَدُّ لَهُم دَعوَةٌ ، ولا يَنقُصُ لَهُم نَصيبٌ مِن لَذَّة . ( 1 ) 548 . عنه ( عليه السلام ) - في عَهدِهِ إلى مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكر لَمّا وَلاّهُ مِصرَ - : عَلَيكُم بِتَقوَى اللهِ عزّوجلّ فَإِنَّها تَجمَعُ مِنَ الخَيرِ ما لا يَجمَعُ غَيرُها ، ويُدرَكُ بِها مِنَ الخَيرِ ما لا يُدرَكُ بِغَيرِها مِن خَيرِ الدُّنيا وخَيرِ الآخِرَةِ .قالَ اللهُ عزّوجلّ : ( وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآَخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ ) . ( 2 ) اِعلَموا يا عِبادَ اللهِ أنَّ المُؤمِنَ يَعمَلُ لِثَلاث مِنَ الثَّوابِ :إمّا لِخَيرِ ( الدُّنيا ) فَإِنَّ اللهَ يُثيبُهُ بِعَمَلِهِ في دُنياهُ ، قالَ اللهُ سُبحانَهُ لإِِبراهيمَ :( وَآَتَيْنَهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ) ( 3 ) . فَمَن عَمِلَ للهِِ تَعالى أعطاهُ أجرَهُ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ ، وكَفاهُ المُهِمَّ فيهِما ، وقَد قالَ اللهُ عزّوجلّ :( يَعِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُواْ اتَّقُواْ رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللهِ وَسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصاَّبِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَاب ) ( 4 ) ، فَما أعطاهُمُ اللهُ فِي الدُّنيا لَم يُحاسِبهُم بِهِ فِي الآخِرَةِ ، قالَ اللهُ عزّوجلّ : ( لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى
1 . نهج البلاغة : الكتاب 27 ، بحار الأنوار : 33 / 581 / 726 . 2 . النحل : 30 . 3 . العنكبوت : 27 . 4 . الزمر : 10 .