بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين أما بعد حمد الله الذي جاء بالأشياء معرفة وعلماً ، وجعل الإحسان في جواب طاعته حتماً ، وخلق الإنسان وعلَّمه البيان ، فوفر له منه حظاً وقسماً ، والصلاة والسلام على نبيه الذي هو أفصح من نطق بالضاد ، وأدقُّ فهماً ، القائل : إنَّ من البيان لسِحراً وإنَّ من الشعر لحُكماً صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه صلاة يعود لهم بها حَرب الأيام سِلماً ، ويكشف عن وجه الدهر ظُلَماً وظُلْماً . وبعد فإنَّ الأدب لم يزل على قديم الوقت محبوباً ، وصاحبه على تباين الأحوال مقرَّباً مطلوباً ، وكان من أعظم آداب العرب الشعرُ ، الذي هو ديوان بيانهم وجامع إحسانهم ومقيِّد ذكر أيامهم وأنسابهم وحافظ أُصولهم وأحسابهم ، يعطرون بأرجه مجالس أنسهم ويعرفون به مزيّة يومهم على أمسهم ، ولهذا قال الطائي : وإن العُلى ما لم يُرَ الشعر سنها * لكالأرض غُفْلاً ليس فيها معالمُ ولولا خِلالٌ سنَّها الشعْرُ ما درى * بغاةُ الندى من أين تُؤتى المكارمُ مَن رفعه الشعر ارتفع ، ومن وضعه الشعر اتَّضع ، يُبنى بالبيت من الشعر شرف الوضيع ويُهدم بالبيت الهجاء مجد الرفيع . قال الزبرقان بن بدر كان سيد قومه غير مدافع هجاه الحطيئة بقوله : دعِ المكارم لا تَرْحلْ لبُغْيتها * واقعُدْ فإنَّكَ أنتَ الطاعِمُ الكاسي