أوتي من العلم حظا ساعده على اتقان حرفته ، ومنهم من لا يختلف عن منضد الحروف في المطبعة الحديثة في كونه لا يعرف غير صورة الحرف ، وشكل الكلمة . وأخذت الكتب تنتشر على أيدي هؤلاء ، وهم ينسخون من الكتب ما كتب في علوم لهم إلمام بها ، أو في علوم يجهلونها . وكثيرا ما تغلب الرغبة في الربح على صاحبها فتحمله على السرعة في السنخ ، وقلة التثبت ، وعلى التصرف في العبارة في بعض الأحيان فربما أضاف ناسخ تعليقة إلى المتن لعدم تثبته ، وربما استدل عبارة أخرى من عنده لظنه أنها أخصر . وإن كانت سيطرة الاسلام على حياة الناس وسيادة شريعته ويقظة ضمائر المسلمين العامرة بالايمان قد حالت دون كثرة هذه الأمور ، وجعلتها في كتبنا أقل بكثير مما هي في كتب غيرنا من الأمم وفي مقدماتها كتب تلك الأمم السابقة . والحاجة إلى التحقيق تتضح أكثر - : حين ندرك أنه بغير التحقيق يصعب علينا إثبات نسب الكتاب لصاحبه ، كما يصعب علينا التأكد من أن هذا الكتاب هو على حقيقته حين كتبه مؤلفه ، وقبل التأكد من كل هذا فإن عملية النقل عن الكتاب ، والاحتجاج بما فيه تكون من أصعب الأمور . ولهذا فإن من الممكن القول بأن أهمية تحقيق كتاب ما تحقيقا علميا أمينا لا تقل أهمية عن قيمة الكتاب ذاته . 10 - حاجة المحصول إلى التحقيق : " المحصول " من كتب الفخر التي حفل بها هو كثيرا قبل أن يحفل به سواه فقد حاول أن يضم بين صفحاته كل ما استفاده من علم الأصول . وفرغ من تأليفه بعد اكتمال نضجه العلمي على أيدي أساتذته وذلك سنة ( 576 ) ه ( 1 ) . وله من العمر آنذاك ( 32 ) عاما . وأقبل عليه طلاب العلم ، واستغنوا به عن أصوله ومنابعه ، وكثرت نسخه ، ومع ذلك فإن شارحه شمس الدين الأصفهاني المتوفى سنة