« المفقودة » نقلا حرفيا ، ولم يلخص منها المسألة المعروضة ، وهذا له فائدة جليلة ، وهي أننا نقف على تلك النقول بصورتها التي كتبها بها مؤلفها ، ثم إن التلخيص - أحيانا - يكون فيه شيء من التحريف لمراد المؤلف ، وهذا - وإن كان أمرا بعيدا على مثل الإمام الزركشي - إلا أنه لا يخلو منه إنسان ، وهذه طبيعة البشر .
وتتميز طبعتنا هذه بعدة ميزات ، ومنها :
أولا : ضبط النص ؛ لما لذلك من الأهمية البالغة ، فإن كثيرا من طلبة العلم الآن بحاجة إلى ضبط مثل هذا الكتاب ؛ حيث يعتبر الخطأ في معرفة تراكيبه اللغوية ، مؤديا - بالقطع - إلى الخطأ في الفهم ، وهذا أمر معلوم لا يحتاج إلى إقامة برهان عليه . وقد أوليت هذا الضبط عناية فائقة كما سيراه القارئ .
ثانيا : تخريج الأحاديث التي أوردها الإمام الزركشي بنصوصها ، أو أشار إليها ولم يورد ألفاظها ، وهذا النوع الأخير - في الحقيقة - تطلب مني جهدا ليس باليسير ؛ وذلك لأن معرفة تلك الأحاديث التي يشير إليها الإمام الزركشي أمر لا يتسنى إلا لمن كان لديه سابق معرفة بهذه الأحاديث ، ولست أحتاج - هنا - إلى إيراد الأمثلة على هذا ، فسوف يرى القارئ ذلك جليا - إن شاء الله تعالى - أثناء اطلاعه على الكتاب ، وإنما أكتفي هنا بإيراد مثال واحد على ذلك ، وهو قول الإمام الزركشي عن أبي حنيفة - رحمه الله - : « وخالف عادته في حديث المصراة ، وحديث القرعة بين العبيد » .
فحديث المصراة قد يكون معروفا لدى طلبة العلم ، خصوصا الذين يهتمون بالدراسات الفقهية المقارنة ، لكن حديث القرعة بين العبيد ، ففضلا عن كونه ليس مشهورا فإن ألفاظه يصعب الوقوف عليها حتى يمكن تخريجه .
أقول : لقد بذلت جهدا - بتوفيق الله تعالى - في تخريج تلك الأحاديث بطريقة يرضى عنها أهل العلم إن شاء الله تعالى .
وقد اعتنيت بتخريج الأحاديث كلها من مصادرها الأصلية ، وهى كتب السنن التي تورد الأحاديث بأسانيدها ، ولم أحل القارئ إلى كتاب وسيط كالتلخيص الحبير مثلا أو نصب الراية ، أو جامع الأصول ، أو غيرها من الكتب .
ثم حرصت على إيراد الحديث بنصه كما هو مروي في كتب الحديث ، مشيرا إلى أقرب الروايات للفظ الذي أورده المصنف . فإن كان أقرب الألفاظ إلى لفظ .

مقدمة التحقيق 2